حين تلفظ قرابة عشرين امرأة حياتهن من أجل كيس دقيق لا يتعدى ثمنه عشرة دولارات، فتأكد أنك أمام كارثة إنسانية بكل المقاييس! وحين لا يتم تقديم أي مسؤول للمحاكمة بعد هذه الفاجعة فتأكد أنك أمام كارثة أخلاقية بكل المقاييس!
مجرد وقوف طوابير من النسوة طلباً لكيلوغرامات معدودة من الدقيق، في بلد كالمغرب يدفع مواطنوه نسبة لا بأس بها من الضرائب، ويتوفر على ثروات هائلة من المعادن والموارد الطبيعية- يعد كارثة، فضلاً عن موتهم دوساً تحت أقدام الفقر والتهميش.
الفاجعة لم تكن وليدة اليوم؛ بل نتيجة تراكمات لسنواتِ ما بعد نيل الاستقلال، ولم تكن الفاجعة الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها تتسق مع ما سبقها من كوارث، من حيث وحدة الأسباب، ومن حيث كون الفاعل هو نفسه في كل الحالات، وحتى في كونها سيلفُّها النسيان دون أن تتمكن الذاكرة الشعبية من استخلاص الدروس اللازمة لوقف مسلسل العبث هذا، وعلى الأقل منع القاتل من تكرار فعلته المشينة.
بعد خروج المستعمر -لسخرية القدر، تزامنت الفاجعة مع ذكرى الاستقلال!- ظهرت برجوازية متوحشة، تكونت من مجموعة من الأسر النافذة، التي تعد على رؤوس الأصابع، ومع ذلك سيطرت على معظم ثروات البلد ودوائر صنع القرار، وانضاف إليهم مجموعة من الانتفاعيين الذين قاموا -وإلى حدود اليوم- باستنزاف خيرات البلد. وتم بذلك احتكار الثروة في يد قلة من المغاربة، فيما بقي السواد الأعظم من الشعب يواجه الفقر والتهميش.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد أنتج هذا الوضع طبقة سياسية شاذة تحت مسميات حزبية شتى، تناوبت على إدارة البلد، واتسمت فترات حكمها بالفساد وغياب المساءلة؛ أدى ذلك إلى زيادة وتيرة نزيف الوطن، وزيادة إفقار أبنائه البسطاء، وفقد المواطن كل ثقة بمؤسسات الدولة، التي لا تخدم إلا هؤلاء المتحكمين في مفاصلها.
وبهذا، أصبحنا أمام خلل طبقي رهيب، فيه قلة تقبض على كل شيء وغالبية تعتاش على الفتات، ولا تجد أي آلية للدفاع عن حقها؛ نظراً إلى أن كل السلطات -ومن ضمنها القضاء- تتركز في يد الأقلية النافذة، فأصبحنا نشاهد طوابير المسحوقين أمام شركات البناء طلباً لعمل يفوق شقاؤه أجرته، لا يكفي لضمان العيش الكريم، فتصبح فرصة الحصول على كيس دقيق واجبة الاستغلال حتى لو كان الثمن الموت سحقاً تحت الأقدام.
في وجوه الضحايا تبدو الجريمة واضحة المعالم، وتظهر بصمات القاتل جلية، تفضحه ملابس ضحاياه الرثة ووجوههم الكالحة، لم يكونوا أول ضحاياه ولن يكونوا آخرهم، فالقائمة ما تزال مفتوحة، ما دام هو حراً طليقاً، توقفوا عن جعل التهميش يفترس الفقراء، واكتفوا -أيها المتوحشون- بما سبق أن التهمتموه من لحومنا، ودعونا ننعم ولو بالقليل من دفء الوطن.
في جنازة إحدى هؤلاء النسوة، طبع مسؤول رفيع قُبلة على جبين ابنها ذي السنوات السبع المكلوم بفقدان أمه، كانت نظرات الصبي أبلغ تعبيراً من كل كلمات الدنيا، كأني بها تقول للرجل: أبعِد فمك عني؛ فأسنانك ما تزال تقطر بدماء أمي.
مجرد وقوف طوابير من النسوة طلباً لكيلوغرامات معدودة من الدقيق، في بلد كالمغرب يدفع مواطنوه نسبة لا بأس بها من الضرائب، ويتوفر على ثروات هائلة من المعادن والموارد الطبيعية- يعد كارثة، فضلاً عن موتهم دوساً تحت أقدام الفقر والتهميش.
الفاجعة لم تكن وليدة اليوم؛ بل نتيجة تراكمات لسنواتِ ما بعد نيل الاستقلال، ولم تكن الفاجعة الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها تتسق مع ما سبقها من كوارث، من حيث وحدة الأسباب، ومن حيث كون الفاعل هو نفسه في كل الحالات، وحتى في كونها سيلفُّها النسيان دون أن تتمكن الذاكرة الشعبية من استخلاص الدروس اللازمة لوقف مسلسل العبث هذا، وعلى الأقل منع القاتل من تكرار فعلته المشينة.
بعد خروج المستعمر -لسخرية القدر، تزامنت الفاجعة مع ذكرى الاستقلال!- ظهرت برجوازية متوحشة، تكونت من مجموعة من الأسر النافذة، التي تعد على رؤوس الأصابع، ومع ذلك سيطرت على معظم ثروات البلد ودوائر صنع القرار، وانضاف إليهم مجموعة من الانتفاعيين الذين قاموا -وإلى حدود اليوم- باستنزاف خيرات البلد. وتم بذلك احتكار الثروة في يد قلة من المغاربة، فيما بقي السواد الأعظم من الشعب يواجه الفقر والتهميش.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد أنتج هذا الوضع طبقة سياسية شاذة تحت مسميات حزبية شتى، تناوبت على إدارة البلد، واتسمت فترات حكمها بالفساد وغياب المساءلة؛ أدى ذلك إلى زيادة وتيرة نزيف الوطن، وزيادة إفقار أبنائه البسطاء، وفقد المواطن كل ثقة بمؤسسات الدولة، التي لا تخدم إلا هؤلاء المتحكمين في مفاصلها.
وبهذا، أصبحنا أمام خلل طبقي رهيب، فيه قلة تقبض على كل شيء وغالبية تعتاش على الفتات، ولا تجد أي آلية للدفاع عن حقها؛ نظراً إلى أن كل السلطات -ومن ضمنها القضاء- تتركز في يد الأقلية النافذة، فأصبحنا نشاهد طوابير المسحوقين أمام شركات البناء طلباً لعمل يفوق شقاؤه أجرته، لا يكفي لضمان العيش الكريم، فتصبح فرصة الحصول على كيس دقيق واجبة الاستغلال حتى لو كان الثمن الموت سحقاً تحت الأقدام.
في وجوه الضحايا تبدو الجريمة واضحة المعالم، وتظهر بصمات القاتل جلية، تفضحه ملابس ضحاياه الرثة ووجوههم الكالحة، لم يكونوا أول ضحاياه ولن يكونوا آخرهم، فالقائمة ما تزال مفتوحة، ما دام هو حراً طليقاً، توقفوا عن جعل التهميش يفترس الفقراء، واكتفوا -أيها المتوحشون- بما سبق أن التهمتموه من لحومنا، ودعونا ننعم ولو بالقليل من دفء الوطن.
في جنازة إحدى هؤلاء النسوة، طبع مسؤول رفيع قُبلة على جبين ابنها ذي السنوات السبع المكلوم بفقدان أمه، كانت نظرات الصبي أبلغ تعبيراً من كل كلمات الدنيا، كأني بها تقول للرجل: أبعِد فمك عني؛ فأسنانك ما تزال تقطر بدماء أمي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/youssef-belekhal/story_b_18620164.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات