بينما يعكف أعضاء مجلس الدوما ومجلس الاتحاد الروسي على مناقشة مدى حاجة روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية بالسودان، امتنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن تقديم أي تصريحات بشأن هذه المسألة في الوقت الراهن.
فقد كانت إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان إحدى المسائل التي طُرحت على طاولة النقاش خلال المحادثات التي جمعت بين الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الروسي في سوتشي، وفق ما ذكرته صحيفة برافدا الروسية.
وحسب "برافدا"، تختلف آراء السياسيين والخبراء العسكريين في موسكو فيما يتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية روسية بالسودان. ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أنه من المهم للغاية المضي قدماً في هذا المخطط، يرى البعض الآخر أن الأمر غير ضروري ألبتة.
لكن الصحيفة تعلق قائلة: "يبدو أن معظم الخبراء قد تغاضوا عن حقيقة أن الوجود العسكري لروسيا في السودان يفتح الطريق أمام موسكو على شبه الجزيرة العربية".
هناك متحفظون على الفكرة مثل فيكتور موراكوفسكي، رئيس تحرير مجلة "أرسنال أوتيشستفا"، الذي يقول إن إنشاء قاعدة عسكرية في السودان سيكون بمثابة "إهدار للموارد"، حيث تحتاج روسيا، بدلاً من ذلك، إلى تطوير قاعدة حميميم وتوفير الدعمين المادي والتقني للبحرية الروسية التي تتموقع في طرطوس بسوريا.
بينما قال رئيس لجنة الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي، فيكتور بونداريف، إنه لم يتم اتخاذ قرارات فعلية في هذا الشأن بعد، فالموضوع لا يزال قيد النقاش، على الرغم من أن القاعدة العسكرية على الساحل السوداني من شأنها أن تعزز الموقف الجيوسياسي الروسي بالمنطقة.
في حين يقع السودان شرق إفريقيا، تقع المملكة العربية السعودية وسط شبه الجزيرة العربية. ولكن من الناحية العملية، تعتبر كلتا الدولتين جارتين، حيث يفصل بينهما البحر الأحمر، علماً أن المسافة بين سواحل السودان وميناء جدة السعودي تبلغ نحو 296 كيلومتراً فقط.
من هذا المنطلق، وفي حال نجحت روسيا في تركيز قاعدة تابعة لها بميناء السودان، فستكون قادرة على مراقبة المملكة من كثب.
وتقول "البرافدا": "يعتقد معظم الخبراء أن الوجود العسكري الروسي على مقربة من المملكة العربية السعودية، الشريك الرائد في إنتاج النفط، سيكون بمثابة عامل كفيل بتقييد خطط الرياض الطموحة من أجل الهيمنة على مساحات شاسعة من الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي".
الرئيس السوداني عمر البشير، من جانبه، قال إن الخرطوم تعتبِر موسكو بمثابة "الجهة المدافعة ضد الأعمال العدوانية الأميركية في المنطقة".
ويوحي خطاب البشير ببعض التناقض، حسب الصحيفة الروسية؛ فمنذ وصول ترامب إلى السلطة، بادر البيت الأبيض بتغيير سياسته تجاه الخرطوم، حيث تخلى عن استراتيجية فرض الضغوط السياسية، وعمد إلى الدخول في سلسلة من الحوارات التي تقوم على الثقة.
وفي هذا الإطار، أعلنت واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2017، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 سنة، وعلى وجه الخصوص الحظر التجاري. كما أشادت واشنطن بـ"إدارة البشير" في مجالات عديدة مثل مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان.
وفي شأن ذي صلة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي: "نحن على علم بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان للمحافظة على قرار وقف إطلاق النار في بؤر التوتر بالبلاد، فضلاً عن تيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان ومواصلة التعاون مع الولايات المتحدة في حل الصراعات الإقليمية".
كما تحالف السودان مع أبرز حليف عسكري وسياسي للولايات المتحدة في الخليج العربي، أي المملكة العربية السعودية.
ولعل موقف الخرطوم في ذروة الأزمة الدبلوماسية الحادة بين المملكة العربية السعودية وإيران في يناير/كانون الثاني سنة 2016، يعد أبرز دليل على مساندة السودان للمملكة. وقد تجلى ذلك من خلال طرد الخرطوم السفير الإيراني، وذلك دليلاً على تضامنها مع المملكة إبان انهيار العلاقات الدبلوماسية الإيرانية-السعودية.
واعتبرت الصحيفة الروسية أن تصريحات الرئيس السوداني التي تصب لصالح موسكو، هي محاولة لابتزاز واشنطن، ولكن باعتماد أسلوب ليّن. فضلاً عن ذلك، تحمل هذه التصريحات في طياتها رسالة موجهة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مفادها أنه في حال استمرت الولايات المتحدة في اعتماد سياسة المد والجزر تجاه الخرطوم، فستبادر بالدخول في تحالف عسكري استراتيجي مع روسيا، والسماح لها بتركيز أسطولها على مشارف البحر الأحمر.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يصف الرئيس السوداني البحر الأحمر بأنه ممر حيوي يجب حمايته من التهديدات، خلال المحادثات التي جمعته ببوتين. وقد شدد البشير على أن بإمكانه تقديم "منفذ حصري" لموسكو للسيطرة على المنطقة.
في المقابل، لم يفصح الكرملين علناً عن مدى سعادته بهذه الفرصة الاستثنائية. وقد يكون حذره ناتجاً عن المؤشرات التي تحيل إلى أن الاقتصاد السوداني يعاني نقصاً في الموارد، خاصة بعد الحصار المالي الذي استمر 20 سنة.
ومن ثم، قد يكلفه إنشاء هذه القاعدة الكثير من الأموال. فعلى سبيل المثال، قد يطلب السودان من موسكو تسديد القروض الميسرة التي لا تستطيع سدادها في غضون سنوات قليلة.
تعلق الصحيفة الروسية قائلة: "عموماً، يعد التقارب مع روسيا أداة ابتزاز ضد الولايات المتحدة الأميركية، نجحت في استخدامها كل من المملكة العربية السعودية وتركيا، ويبدو أن السودان يسير على خطاها في الوقت الراهن".
ففي الحقيقة، لم يتوانَ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن التحالف مع موسكو فيما يتعلق بالقضية السورية، بعد أن أعلن البنتاغون مواصلة تأمين الأسلحة الثقيلة لصالح الأكراد السوريين.
وقد أثمرت استراتيجية الابتزاز، حيث -وتحت وطأة الخوف من انبثاق تحالف حقيقي بين أنقرة وموسكو- هاتف الرئيسُ الأميركي ترامب، بشكل غير متوقع، الزعيم التركي أردوغان، وأعلن قرار الولايات المتحدة وقف عمليات تزويد الأكراد بالأسلحة.
من جهتها، استخدمت المملكة العربية السعودية أسلوب الابتزاز ذاته، حيث أعلنت نيتها شراء منظومة الدفاع الجوى الروسية المتطورة "إس-400". وقد ناقش العاهل السعودي، خلال زيارته لروسيا، جملة من المقترحات بشأن التعاون العسكري التقني مع الكرملين، تبلغ قيمتها نحو 3 مليارات دولار. عقب ذلك، وبين عشية وضحاها، وافقت الحكومة الأميركية على بيع السعودية منظومة "ثاد" الأميركية المضادة للصواريخ بقيمة 15 مليار دولار أميركي، مع العلم أن البنتاغون لم يُخف قلقه إزاء اهتمام حلفائه بمنظومة "إس-400" الروسية.
في ضوء هذه المعطيات، يمكن الجزم بأن الوضع الراهن يعد بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة للخرطوم حتى تعمد إلى ابتزاز واشنطن عن طريق موسكو. ونتيجة لذلك، سيتمكن السودان من التمتع بالمزيد من التنازلات، وخاصة مطلبه بأن تخرجه واشنطن من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ نظراً إلى أن وجوده ضمن هذه اللائحة لن يسمح له بتلقي مساعدة مالية وعسكرية من الولايات المتحدة.
فقد كانت إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان إحدى المسائل التي طُرحت على طاولة النقاش خلال المحادثات التي جمعت بين الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الروسي في سوتشي، وفق ما ذكرته صحيفة برافدا الروسية.
وحسب "برافدا"، تختلف آراء السياسيين والخبراء العسكريين في موسكو فيما يتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية روسية بالسودان. ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أنه من المهم للغاية المضي قدماً في هذا المخطط، يرى البعض الآخر أن الأمر غير ضروري ألبتة.
لكن الصحيفة تعلق قائلة: "يبدو أن معظم الخبراء قد تغاضوا عن حقيقة أن الوجود العسكري لروسيا في السودان يفتح الطريق أمام موسكو على شبه الجزيرة العربية".
هناك متحفظون على الفكرة مثل فيكتور موراكوفسكي، رئيس تحرير مجلة "أرسنال أوتيشستفا"، الذي يقول إن إنشاء قاعدة عسكرية في السودان سيكون بمثابة "إهدار للموارد"، حيث تحتاج روسيا، بدلاً من ذلك، إلى تطوير قاعدة حميميم وتوفير الدعمين المادي والتقني للبحرية الروسية التي تتموقع في طرطوس بسوريا.
بينما قال رئيس لجنة الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي، فيكتور بونداريف، إنه لم يتم اتخاذ قرارات فعلية في هذا الشأن بعد، فالموضوع لا يزال قيد النقاش، على الرغم من أن القاعدة العسكرية على الساحل السوداني من شأنها أن تعزز الموقف الجيوسياسي الروسي بالمنطقة.
ما الذي ستستفيده روسيا من هذه القاعدة؟
في حين يقع السودان شرق إفريقيا، تقع المملكة العربية السعودية وسط شبه الجزيرة العربية. ولكن من الناحية العملية، تعتبر كلتا الدولتين جارتين، حيث يفصل بينهما البحر الأحمر، علماً أن المسافة بين سواحل السودان وميناء جدة السعودي تبلغ نحو 296 كيلومتراً فقط.
من هذا المنطلق، وفي حال نجحت روسيا في تركيز قاعدة تابعة لها بميناء السودان، فستكون قادرة على مراقبة المملكة من كثب.
وتقول "البرافدا": "يعتقد معظم الخبراء أن الوجود العسكري الروسي على مقربة من المملكة العربية السعودية، الشريك الرائد في إنتاج النفط، سيكون بمثابة عامل كفيل بتقييد خطط الرياض الطموحة من أجل الهيمنة على مساحات شاسعة من الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي".
هدف السودان
الرئيس السوداني عمر البشير، من جانبه، قال إن الخرطوم تعتبِر موسكو بمثابة "الجهة المدافعة ضد الأعمال العدوانية الأميركية في المنطقة".
ويوحي خطاب البشير ببعض التناقض، حسب الصحيفة الروسية؛ فمنذ وصول ترامب إلى السلطة، بادر البيت الأبيض بتغيير سياسته تجاه الخرطوم، حيث تخلى عن استراتيجية فرض الضغوط السياسية، وعمد إلى الدخول في سلسلة من الحوارات التي تقوم على الثقة.
وفي هذا الإطار، أعلنت واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2017، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 سنة، وعلى وجه الخصوص الحظر التجاري. كما أشادت واشنطن بـ"إدارة البشير" في مجالات عديدة مثل مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان.
وفي شأن ذي صلة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي: "نحن على علم بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان للمحافظة على قرار وقف إطلاق النار في بؤر التوتر بالبلاد، فضلاً عن تيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان ومواصلة التعاون مع الولايات المتحدة في حل الصراعات الإقليمية".
كما تحالف السودان مع أبرز حليف عسكري وسياسي للولايات المتحدة في الخليج العربي، أي المملكة العربية السعودية.
ولعل موقف الخرطوم في ذروة الأزمة الدبلوماسية الحادة بين المملكة العربية السعودية وإيران في يناير/كانون الثاني سنة 2016، يعد أبرز دليل على مساندة السودان للمملكة. وقد تجلى ذلك من خلال طرد الخرطوم السفير الإيراني، وذلك دليلاً على تضامنها مع المملكة إبان انهيار العلاقات الدبلوماسية الإيرانية-السعودية.
ابتزاز
واعتبرت الصحيفة الروسية أن تصريحات الرئيس السوداني التي تصب لصالح موسكو، هي محاولة لابتزاز واشنطن، ولكن باعتماد أسلوب ليّن. فضلاً عن ذلك، تحمل هذه التصريحات في طياتها رسالة موجهة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مفادها أنه في حال استمرت الولايات المتحدة في اعتماد سياسة المد والجزر تجاه الخرطوم، فستبادر بالدخول في تحالف عسكري استراتيجي مع روسيا، والسماح لها بتركيز أسطولها على مشارف البحر الأحمر.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يصف الرئيس السوداني البحر الأحمر بأنه ممر حيوي يجب حمايته من التهديدات، خلال المحادثات التي جمعته ببوتين. وقد شدد البشير على أن بإمكانه تقديم "منفذ حصري" لموسكو للسيطرة على المنطقة.
في المقابل، لم يفصح الكرملين علناً عن مدى سعادته بهذه الفرصة الاستثنائية. وقد يكون حذره ناتجاً عن المؤشرات التي تحيل إلى أن الاقتصاد السوداني يعاني نقصاً في الموارد، خاصة بعد الحصار المالي الذي استمر 20 سنة.
ومن ثم، قد يكلفه إنشاء هذه القاعدة الكثير من الأموال. فعلى سبيل المثال، قد يطلب السودان من موسكو تسديد القروض الميسرة التي لا تستطيع سدادها في غضون سنوات قليلة.
أسلوب ناجح
تعلق الصحيفة الروسية قائلة: "عموماً، يعد التقارب مع روسيا أداة ابتزاز ضد الولايات المتحدة الأميركية، نجحت في استخدامها كل من المملكة العربية السعودية وتركيا، ويبدو أن السودان يسير على خطاها في الوقت الراهن".
ففي الحقيقة، لم يتوانَ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن التحالف مع موسكو فيما يتعلق بالقضية السورية، بعد أن أعلن البنتاغون مواصلة تأمين الأسلحة الثقيلة لصالح الأكراد السوريين.
وقد أثمرت استراتيجية الابتزاز، حيث -وتحت وطأة الخوف من انبثاق تحالف حقيقي بين أنقرة وموسكو- هاتف الرئيسُ الأميركي ترامب، بشكل غير متوقع، الزعيم التركي أردوغان، وأعلن قرار الولايات المتحدة وقف عمليات تزويد الأكراد بالأسلحة.
دبلوماسية الـ"إس-400"
من جهتها، استخدمت المملكة العربية السعودية أسلوب الابتزاز ذاته، حيث أعلنت نيتها شراء منظومة الدفاع الجوى الروسية المتطورة "إس-400". وقد ناقش العاهل السعودي، خلال زيارته لروسيا، جملة من المقترحات بشأن التعاون العسكري التقني مع الكرملين، تبلغ قيمتها نحو 3 مليارات دولار. عقب ذلك، وبين عشية وضحاها، وافقت الحكومة الأميركية على بيع السعودية منظومة "ثاد" الأميركية المضادة للصواريخ بقيمة 15 مليار دولار أميركي، مع العلم أن البنتاغون لم يُخف قلقه إزاء اهتمام حلفائه بمنظومة "إس-400" الروسية.
في ضوء هذه المعطيات، يمكن الجزم بأن الوضع الراهن يعد بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة للخرطوم حتى تعمد إلى ابتزاز واشنطن عن طريق موسكو. ونتيجة لذلك، سيتمكن السودان من التمتع بالمزيد من التنازلات، وخاصة مطلبه بأن تخرجه واشنطن من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ نظراً إلى أن وجوده ضمن هذه اللائحة لن يسمح له بتلقي مساعدة مالية وعسكرية من الولايات المتحدة.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/11/30/story_n_18692052.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات