كانت عيناه واسعتين سوداوين، كان أكحل العينين أهدب الأشفار، بداخل مقلتيه عروق حمر رقاق، كان أَزَجّ الحواجب، واسع الفم غليظ الشفتين، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، كان وجهه أبيض نيراً، يتوسطه أنف طويل ودقيق يزيده جمالاً وبهاء، كثّ اللحية سهل الخدين، كان طويل القامة معتدلاً، سواء البطن، عريض الصدر، بعيد ما بين الكتفين، كان جميلاً مهيباً.
احفظ هذه الصورة في ركن من الذاكرة، وتخيَّل صاحبها وأنت تطالع هذه السطور، كان طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، يتحدث بألفاظ قليلة مليئة بالمعاني، كان رجلاً سمحاً سهلاً قريباً يتسم بالأناة والحلم، بالرزانة والهدوء، كان شجاعاً لا يخشى أحداً، صادقاً لا يعرف الكذب، جواداً كريم النفس، كان عطوفاً حنوناً محباً.
بكت زوجته يوماً فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، ترؤفاً بها وتلطفاً معها، كان رجلاً راقياً، حنوناً ودوداً، تجلّت فيه العواطف والمشاعر في أسمى مظاهرها وأجملها، يُكرم ولا يُهين، يُوجّه وينصح، ولا يعنِّف ويجرح، يمازح ويداعب ويضاحك ويتحمَّل.
كانت زوجته إذا نوت أن تركب البعير، جعل ركبتَه الشريفة مُتكَأً لها، كان حساس القلب، مرهف المشاعر، يعرف كيفية معاملة زوجته، فتراه يرفع من قدرها، لا يصخب ولا يشتم ولا يظلم، كان خلوقاً وفياً.. غارت زوجته يوماً فكسرت صحناً به طعام، كسرته أمام أصحابه وفي حضرتهم، كسرته وهو معهم، فلم يغضب، ولم يصِح، بل أخذ يلملم بقايا الطعام ضاحكاً متبسماً وهو يقول: "غارت أمكم".
لم يكن فحَّاشاً ولا عيَّاباً، كان متجاوزاً، طيباً رحيماً، بعد سنوات حافلة بالإيذاء والتعذيب والآلام، خرج من أحب البلاد على قلبه، أخرجوه مرغماً، ومات عمه وسنده الذي كان يتكئ عليه "أبوطالب" وماتت زوجته وحب قلبه وروحه "خديجة" خرج يحدوه الأمل في هداية قوم ضالين، يحمل لهم في قلبه كل الخير والحب، وعندما جلس إليهم وكلّمهم، سخروا منه، وأغروا به السفهاء، فاجتمع عليه الأهالي، ووقفوا له صفَّين، يمر من بينهم يمطرونه ضرباً بالحجارة حتى دميت قدماه، وأصيب في رأسه، ومكثوا يطاردونه ويصيحون به في الشوارع حتى ألجأوه إلى بستان، وهكذا ظل الناس يطاردونه ويضربونه على مدار مسافة طويلة، قطعها مشياً أو ركضاً مع ما يكابده من الأذى.
دماء شريفة تنزف من وجهه الكريم، ومن قدمه الشريفة، وجرح نفسي غائر في قلبه الصديع المكلوم، فتوجه إلى الله يقول: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟"، فإذا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلته، فنظر فإذا جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم؛ فناداه ملك الجبال وسلَّم وقال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبَين، فرد النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله.. رغم أن المعاناة في أشد مراحلها، وتضغط بعنف على النفس وتقسو، إلا أنه سامحهم، ودعا لهم، ورحم بحالهم، ورأف بهم، أي شفقة ورحمة تلك؟
كان يعرف كوامن النفس البشرية، عالماً بأحوال الناس ودواخلهم، يخاطب الأنصار فيقول: ألا تجيبونني؟ قالوا: بماذا نجيبك، قال: "أما والله لو شئتم لقلتم، فلصَدقتم وصُـدقتم، أتيتنا مكذباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك. أوجدتم في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليُـسلموا، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم" فأبدل حزنهم فرحاً، وضيقهم فرجاً، بكلمات قلبية صادقة نقية.
يعرف كيفية تأليف القلوب، تراه يمدح علياً "أفلا ترضى أن تكونَ منّي بمنزلةِ هارون من موسى" وجعفر الذي بكاه يوماً ومسح على رؤوس أطفاله: "والله ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر"، بالرغم من أن خيبر حينذاك كانت هي وكرُ الدسِّ والتآمر ومركز الاستفزازاتِ العسكرية، إلا أن قدوم صاحبه وحبه كان وقعه عظيماً على نفسه، حتى مع مَن ناصبوه العداء تراه يداعب مشاعرهم ويستأنس قلوبهم، "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" إرضاء لعاطفة الفخر في نفس من كان بالأمس من أشدِّ الناسِ إيذاءً له بمكّة، يتعامل بذكاء حاد وإحساس بالغ، تأليفاً وتخويفاً.. ترغيباً وترهيباً.. كل حسب حاجته.
ذاك محمد الذي أعرف، وذاك هو نبي الله، آمنتُ به على أمل اتباعه ومصاحبته، فهل تقبل يا رسول الله؟ تقبل أن أرافقك، وأكون بجانبك.
احفظ هذه الصورة في ركن من الذاكرة، وتخيَّل صاحبها وأنت تطالع هذه السطور، كان طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، يتحدث بألفاظ قليلة مليئة بالمعاني، كان رجلاً سمحاً سهلاً قريباً يتسم بالأناة والحلم، بالرزانة والهدوء، كان شجاعاً لا يخشى أحداً، صادقاً لا يعرف الكذب، جواداً كريم النفس، كان عطوفاً حنوناً محباً.
بكت زوجته يوماً فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، ترؤفاً بها وتلطفاً معها، كان رجلاً راقياً، حنوناً ودوداً، تجلّت فيه العواطف والمشاعر في أسمى مظاهرها وأجملها، يُكرم ولا يُهين، يُوجّه وينصح، ولا يعنِّف ويجرح، يمازح ويداعب ويضاحك ويتحمَّل.
كانت زوجته إذا نوت أن تركب البعير، جعل ركبتَه الشريفة مُتكَأً لها، كان حساس القلب، مرهف المشاعر، يعرف كيفية معاملة زوجته، فتراه يرفع من قدرها، لا يصخب ولا يشتم ولا يظلم، كان خلوقاً وفياً.. غارت زوجته يوماً فكسرت صحناً به طعام، كسرته أمام أصحابه وفي حضرتهم، كسرته وهو معهم، فلم يغضب، ولم يصِح، بل أخذ يلملم بقايا الطعام ضاحكاً متبسماً وهو يقول: "غارت أمكم".
لم يكن فحَّاشاً ولا عيَّاباً، كان متجاوزاً، طيباً رحيماً، بعد سنوات حافلة بالإيذاء والتعذيب والآلام، خرج من أحب البلاد على قلبه، أخرجوه مرغماً، ومات عمه وسنده الذي كان يتكئ عليه "أبوطالب" وماتت زوجته وحب قلبه وروحه "خديجة" خرج يحدوه الأمل في هداية قوم ضالين، يحمل لهم في قلبه كل الخير والحب، وعندما جلس إليهم وكلّمهم، سخروا منه، وأغروا به السفهاء، فاجتمع عليه الأهالي، ووقفوا له صفَّين، يمر من بينهم يمطرونه ضرباً بالحجارة حتى دميت قدماه، وأصيب في رأسه، ومكثوا يطاردونه ويصيحون به في الشوارع حتى ألجأوه إلى بستان، وهكذا ظل الناس يطاردونه ويضربونه على مدار مسافة طويلة، قطعها مشياً أو ركضاً مع ما يكابده من الأذى.
دماء شريفة تنزف من وجهه الكريم، ومن قدمه الشريفة، وجرح نفسي غائر في قلبه الصديع المكلوم، فتوجه إلى الله يقول: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟"، فإذا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلته، فنظر فإذا جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم؛ فناداه ملك الجبال وسلَّم وقال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبَين، فرد النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله.. رغم أن المعاناة في أشد مراحلها، وتضغط بعنف على النفس وتقسو، إلا أنه سامحهم، ودعا لهم، ورحم بحالهم، ورأف بهم، أي شفقة ورحمة تلك؟
كان يعرف كوامن النفس البشرية، عالماً بأحوال الناس ودواخلهم، يخاطب الأنصار فيقول: ألا تجيبونني؟ قالوا: بماذا نجيبك، قال: "أما والله لو شئتم لقلتم، فلصَدقتم وصُـدقتم، أتيتنا مكذباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك. أوجدتم في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليُـسلموا، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم" فأبدل حزنهم فرحاً، وضيقهم فرجاً، بكلمات قلبية صادقة نقية.
يعرف كيفية تأليف القلوب، تراه يمدح علياً "أفلا ترضى أن تكونَ منّي بمنزلةِ هارون من موسى" وجعفر الذي بكاه يوماً ومسح على رؤوس أطفاله: "والله ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر"، بالرغم من أن خيبر حينذاك كانت هي وكرُ الدسِّ والتآمر ومركز الاستفزازاتِ العسكرية، إلا أن قدوم صاحبه وحبه كان وقعه عظيماً على نفسه، حتى مع مَن ناصبوه العداء تراه يداعب مشاعرهم ويستأنس قلوبهم، "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" إرضاء لعاطفة الفخر في نفس من كان بالأمس من أشدِّ الناسِ إيذاءً له بمكّة، يتعامل بذكاء حاد وإحساس بالغ، تأليفاً وتخويفاً.. ترغيباً وترهيباً.. كل حسب حاجته.
ذاك محمد الذي أعرف، وذاك هو نبي الله، آمنتُ به على أمل اتباعه ومصاحبته، فهل تقبل يا رسول الله؟ تقبل أن أرافقك، وأكون بجانبك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-zeinuba/story_b_18662076.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات