عندما نشاهد مناظر القتلى، ومشاهد الجرحى، ومصائب المضطهدين في بورما، والمعذبين من الروهينغا.. عندما نناصر المرابطين في الأقصى، ونأسى لما يبعج صدر العراق، ونغضب من الحصار على غزة.. أو حتى عندما ندمع لكلام طفل صغير بريء قتلت الحرب أبويه، أحدهما أو كليهما، فإننا وسط كل هذه المشاهد نبدّل نغمات مشاعرنا لتوافق أشرطة الواقع المتقلب، ونحن جالسين على أريكة ممدين أرجلنا بأسى وتثاؤب.
وقد ننزعج بكل ما أوتينا من قوة، وقد تفور مقلنا بشعور النكبة والمذلة، فنضرب بأرجلنا الأرض، ونمسح رؤوسنا من الفزع، حتى يستبد بنا شعور مُلح لنرتكب جريمة تغيير المشهد الذي يوتر صفاءنا، ويؤلمنا بقدر كافٍ من اليأس الفكري، وسط جبال همومنا الشخصية اليومية المتراكمة، فتمتد أيدينا لتغير إلى اللحن الذي نطمئن إليه.
إننا في هذه الحالة قد غضبنا لأنفسنا، حفاظاً على اطمئنان صدورنا.. قد نغير المشهد إلى مسرحية مضحكة، أو إلى وثائقيات لطيفة، حتى يبرد غضبنا تدريجياً، ونقع على مباراة كرة قدم، فيتغير لحن أحاسيسنا ليحمل حماساً وتشجيعاً للخصم أو المنافس الذي قد يكون عربياً، وربما أجنبياً، على نفس الأريكة التي بكينا فيها قبل ثوانٍ، ثم لا نشعر بأي حرج.
رويدا يا صاح! فالقضايا الحقة لا تقبل النفسيات سريعة الازدواجية، وهي تبغض أيما بغض الشخصيات ذات الغضب الفوار المؤقت، الذي يغدو حملاً وديعاً أمام المسكنات التافهة.
إن مفهوم القضية قد تشوّه لدى بعضنا كلياً، ولدى معظمنا جزئياً، فنحن لم نعد نعرف كيف يفترض بنا أن نفكر إن كنا أصحاب قضية! أن تكون صاحب قضية لا يعني أن تعيش منتظراً فقط، أو ألا تعيش سواها مطلقاً! كلاً، فإنما الحياة ساعة وساعة، ولكنه يعني بالضرورة أن تحكم مواقفك لصالح قضيتك وحدها! فتنظر إلى كل ما يحيط بك بعيون قضيتك، فإذا وصلت إلى تقاطعات الطريق لم تتردد في أن تعطيها الأولوية لما يجلب المنفعة لها، ولو كان ذلك مجرد حديث عابر بينك وبين نفسك.
إن القضية متعلقة بكيان فئة كبيرة من الناس، في إطار زمني ومكاني معين، لذا فهي لا تمثلك وحدك، ولست وحدك من يمثلها، ولكنك بالمقابل تحتاج أن تتبناها وتعمل لها كما لو أنها لا تهم أحداً سواك، بل إنك ستخاطر بجوهرك إن استغنيت عنها، وقد تشعر بفقدان كلي لكيانك إن توقفت عن التفكير بها ولو ليوم واحد، فمدى تعلقك بها هو الضابط لكونها ذات أثر في نفسك، يسمح لها باحتلال مكانة قضيتك الكبرى، وبهذا تتخلص فكرة القضية من الأهداف الشخصية المحضة، فتنتسب لزاماً إلى روح الجماعة وكفاءتها ككتلة متحدة ومتناسقة مادياً أو معنوياً، لدفع القضية إلى الأمام.. ربما هذا ما يعنيه أحد الأقوال الشهيرة، التي لطالما سمعناها في أفلام الرسوم المتحركة: "الكل للواحد.. والواحد للكل".
أن تتحمل أعباء قضية معينة يتطلب منك أن تعيش معها بعقلك ووجدانك، قبل مشاعرك.. إن العواطف وحدها لن تمنحك القوة لمواجهة أعداء قضيتك، بل إنها تكالب المعارضين حولك، وتحولك تدريجياً إلى بهلوان متعصب، يغالب تردد نفسه، ونقص كفاءته بالصراخ على الجميع، دون تقديم رؤية واضحة.. وما أحوج القضايا الجادة إلى الرؤية الواضحة المنهجية.
إن التفكير في مسار القضية التي تتبناها، وتوقعك لما قد يعترض طريقها من المشكلات، ومحاولاتك الدائمة لإيجاد الحلول العملية لها، وغوصك في مساقها التاريخي والأيديولوجي والسياسي والمجتمعي، سيعود حتماً بالمنفعة عليها، وأحياناً من حيث لا تدري! لأنه سيقدم توجيهاً شاملاً للقضية، يكمله غيرك أو ينقص منه، أو يزيد أو يحذف خدمة لمصلحة الفكرة التي تسعى مع المؤيدين إلى ترسيخها.
ثم إننا يجب أن نؤمن بما نسعى لتقديمه لأي قضية من قضايانا، حتى تتثبت في الأذهان، وتبنى لها القاعدة الجماهيرية "المناصرة"، والشريحة النخبوية "الفعالة" التي تستوعبها كفكرة صائبة ذات أحقية، وهذا هو المطلب الرئيسي لبناء عناصرها على أرض الواقع.
إن محاولة تأصيل المبدأ الذي يعيش من أجله المرء، فيفهمه الناس ويؤيدونه، هو أكبر ما يمكن لقضية معينة أن تحققه، ولذلك فإنه من المثير للاشمئزاز أن يعتذر القاعدون بأن أي نشاط يقدمونه خدمة لفكرة غير محققة على الواقع هو مجرد عبث وإضاعة للوقت، كلا! بل رضي هؤلاء بأن يكونوا مع الخوالف. إن كل الجهود الممنهجة والهادفة التي تسعى لإحياء قضية جادة وبعث أسباب تحقيقها في المستقبل هي جهود محترمة، تضاف إلى نتاج الجهود البشرية التي ترافقها وتدعمها، وهي عمل يستحق أن يسهم الجميع فيه كباراً وصغاراً.
وبهذا فلنعد إلى نقطة البداية، إلى وسادة الأريكة. إن تحمل كل فرد لجزء صغير أو كبير من عبء القضية الكبرى التي يتبناها هو واجب حتمي، بحيث يعيش مع مستجداتها أولاً بأول، ويستقي من سياقاتها ليُبلور الرؤية الواضحة لفهمها واقتراح الحلول لها، في إطار توجيه سليم.
لذا فيمكنك أن تشاهد على نفس الأريكة مشاهد الحروب، وتشجع الفرق المختلفة، حتى وإن كانت أجنبية، وتغير أشرطة الوقائع دون أن تشعر بأي حرج، لكن إياك، ثم إياك أن تغير اللحن الذي تعزفه مشاعرك نحو كل ما تراه!
وقد ننزعج بكل ما أوتينا من قوة، وقد تفور مقلنا بشعور النكبة والمذلة، فنضرب بأرجلنا الأرض، ونمسح رؤوسنا من الفزع، حتى يستبد بنا شعور مُلح لنرتكب جريمة تغيير المشهد الذي يوتر صفاءنا، ويؤلمنا بقدر كافٍ من اليأس الفكري، وسط جبال همومنا الشخصية اليومية المتراكمة، فتمتد أيدينا لتغير إلى اللحن الذي نطمئن إليه.
إننا في هذه الحالة قد غضبنا لأنفسنا، حفاظاً على اطمئنان صدورنا.. قد نغير المشهد إلى مسرحية مضحكة، أو إلى وثائقيات لطيفة، حتى يبرد غضبنا تدريجياً، ونقع على مباراة كرة قدم، فيتغير لحن أحاسيسنا ليحمل حماساً وتشجيعاً للخصم أو المنافس الذي قد يكون عربياً، وربما أجنبياً، على نفس الأريكة التي بكينا فيها قبل ثوانٍ، ثم لا نشعر بأي حرج.
رويدا يا صاح! فالقضايا الحقة لا تقبل النفسيات سريعة الازدواجية، وهي تبغض أيما بغض الشخصيات ذات الغضب الفوار المؤقت، الذي يغدو حملاً وديعاً أمام المسكنات التافهة.
إن مفهوم القضية قد تشوّه لدى بعضنا كلياً، ولدى معظمنا جزئياً، فنحن لم نعد نعرف كيف يفترض بنا أن نفكر إن كنا أصحاب قضية! أن تكون صاحب قضية لا يعني أن تعيش منتظراً فقط، أو ألا تعيش سواها مطلقاً! كلاً، فإنما الحياة ساعة وساعة، ولكنه يعني بالضرورة أن تحكم مواقفك لصالح قضيتك وحدها! فتنظر إلى كل ما يحيط بك بعيون قضيتك، فإذا وصلت إلى تقاطعات الطريق لم تتردد في أن تعطيها الأولوية لما يجلب المنفعة لها، ولو كان ذلك مجرد حديث عابر بينك وبين نفسك.
إن القضية متعلقة بكيان فئة كبيرة من الناس، في إطار زمني ومكاني معين، لذا فهي لا تمثلك وحدك، ولست وحدك من يمثلها، ولكنك بالمقابل تحتاج أن تتبناها وتعمل لها كما لو أنها لا تهم أحداً سواك، بل إنك ستخاطر بجوهرك إن استغنيت عنها، وقد تشعر بفقدان كلي لكيانك إن توقفت عن التفكير بها ولو ليوم واحد، فمدى تعلقك بها هو الضابط لكونها ذات أثر في نفسك، يسمح لها باحتلال مكانة قضيتك الكبرى، وبهذا تتخلص فكرة القضية من الأهداف الشخصية المحضة، فتنتسب لزاماً إلى روح الجماعة وكفاءتها ككتلة متحدة ومتناسقة مادياً أو معنوياً، لدفع القضية إلى الأمام.. ربما هذا ما يعنيه أحد الأقوال الشهيرة، التي لطالما سمعناها في أفلام الرسوم المتحركة: "الكل للواحد.. والواحد للكل".
أن تتحمل أعباء قضية معينة يتطلب منك أن تعيش معها بعقلك ووجدانك، قبل مشاعرك.. إن العواطف وحدها لن تمنحك القوة لمواجهة أعداء قضيتك، بل إنها تكالب المعارضين حولك، وتحولك تدريجياً إلى بهلوان متعصب، يغالب تردد نفسه، ونقص كفاءته بالصراخ على الجميع، دون تقديم رؤية واضحة.. وما أحوج القضايا الجادة إلى الرؤية الواضحة المنهجية.
إن التفكير في مسار القضية التي تتبناها، وتوقعك لما قد يعترض طريقها من المشكلات، ومحاولاتك الدائمة لإيجاد الحلول العملية لها، وغوصك في مساقها التاريخي والأيديولوجي والسياسي والمجتمعي، سيعود حتماً بالمنفعة عليها، وأحياناً من حيث لا تدري! لأنه سيقدم توجيهاً شاملاً للقضية، يكمله غيرك أو ينقص منه، أو يزيد أو يحذف خدمة لمصلحة الفكرة التي تسعى مع المؤيدين إلى ترسيخها.
ثم إننا يجب أن نؤمن بما نسعى لتقديمه لأي قضية من قضايانا، حتى تتثبت في الأذهان، وتبنى لها القاعدة الجماهيرية "المناصرة"، والشريحة النخبوية "الفعالة" التي تستوعبها كفكرة صائبة ذات أحقية، وهذا هو المطلب الرئيسي لبناء عناصرها على أرض الواقع.
إن محاولة تأصيل المبدأ الذي يعيش من أجله المرء، فيفهمه الناس ويؤيدونه، هو أكبر ما يمكن لقضية معينة أن تحققه، ولذلك فإنه من المثير للاشمئزاز أن يعتذر القاعدون بأن أي نشاط يقدمونه خدمة لفكرة غير محققة على الواقع هو مجرد عبث وإضاعة للوقت، كلا! بل رضي هؤلاء بأن يكونوا مع الخوالف. إن كل الجهود الممنهجة والهادفة التي تسعى لإحياء قضية جادة وبعث أسباب تحقيقها في المستقبل هي جهود محترمة، تضاف إلى نتاج الجهود البشرية التي ترافقها وتدعمها، وهي عمل يستحق أن يسهم الجميع فيه كباراً وصغاراً.
وبهذا فلنعد إلى نقطة البداية، إلى وسادة الأريكة. إن تحمل كل فرد لجزء صغير أو كبير من عبء القضية الكبرى التي يتبناها هو واجب حتمي، بحيث يعيش مع مستجداتها أولاً بأول، ويستقي من سياقاتها ليُبلور الرؤية الواضحة لفهمها واقتراح الحلول لها، في إطار توجيه سليم.
لذا فيمكنك أن تشاهد على نفس الأريكة مشاهد الحروب، وتشجع الفرق المختلفة، حتى وإن كانت أجنبية، وتغير أشرطة الوقائع دون أن تشعر بأي حرج، لكن إياك، ثم إياك أن تغير اللحن الذي تعزفه مشاعرك نحو كل ما تراه!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/khaoula-kamel-laggoune/-_14160_b_18650758.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات