كان طفلاً صغيراً لم يتجاوز الثامنة من عمره، أسمر البشرة، نحيل الجسد، غائر العينين، التقطته كاميرا صحفي أوروبي، تحدث بلغة لم يفهمها كثيرون مثلي، فوقف الصحفي يتحدث إليه ويترجم كلامه للإنكليزية، قال الطفل الذي وقف كرجل يروي معاناة قومه:
أنا طفل من إقليم أراكان في بورما، هاجم العسكر البوذيون قريتنا، أحرقوا كثيراً من البيوت الغارقة في الفقر، ولأنها بيوت بسيطة من الخشب والقش فقد اشتعلت فيها النيران بسرعة، شاهدت أناساً يفرون من داخلها تشتعل النار في أجسادهم، ثم ما يلبثون إلا أن يقعوا أرضاً جثثاً متفحمة، كنت أعرفهم جميعاً، جميعهم فقراء، بل معدمون، بسطاء مسالمون.
بعض البيوت الأخرى دخلها البوذيون وذبحوا من فيها من الأطفال والنساء ذبح النعاج، رأيت شيخاً كبيراً يحبه جميع أهل القرية كان ساهراً يتلو القرآن، هجم البوذيون على القرآن بين يديه، حاولوا انتزاعه ليدوسوه بأقدامهم كما فعلوا في البيوت الأخرى، فتمسك الشيخ به، وضمه إلى صدره بقوة، أخذوا يضربونه على وجهه ببساطيرهم حتى وقع مغشياً عليه، فانتزعوا القرآن بقوة وأخذوا يدوسونه، ثم أطلقوا النار على جبهة الشيخ من مسافة قريبة جداً.
من بعض البيوت الأخرى، انتزعوا الفتيات الصغيرات الجميلات، تلذذوا بانتزاع ملابسهن وتعريتهن، ومن أبدت أي مقاومة قتلوها وداسوا جثتها، من تبقى منهن قادوهن عاريات إلى حظيرة في طرف القرية، واغتصبوهن بشكل جماعي ووحشي.
في قريتي أحرقوا الأشجار، والأنعام، والبشر، لم يفلت من أذاهم أحد، شاهدتهم يدقون رأس أخي الأكبر بحجر حتى لفظ أنفاسه، أما والدتي فقد صبّوا مادة سريعة الاشتعال عليها هي وأختي الوليدة وأحرقوهما.
كنت ووالدي خارج القرية نحضر طعاماً عندما هاجمها العسكر، وقفنا نرقب ما يجري من قمة شجرة مرتفعة تطل على القرية، كاد قلبي يُنتزع من مكانه جزعاً، وكان والدي يرجوني أن لا أصدر أي صوت أو حركة تدل على وجودنا، فينقضوا علينا.. بلغ الخوف منا كل مبلغ، فنحن لا نمتلك أي شيء ندافع به عن أنفسنا، تمنينا لو نستطيع مساعدة أهل القرية، ولكن كيف يكون لنا ذلك ونحن لا نستطيع مساعدة أنفسنا.
كل ما جرى يومها كان عاراً يندى له جبين البشرية.. تمنيت لو أعلم السبب الذي يقف وراء هذه حملات التطهير المتلاحقة هذه والتي يهاجمون بها قرانا، بحيث لا تمر فترة قصيرة من الزمن من غير أن تبلغنا أخبار انتهاكات وحشية للقرى التي يعيش فيها مسلمو الروهينغا المضطهدون من البوذيين الذين يسفكون الدماء من دون أن يطرف لهم جفن. لا نشعر بالأمان نهائياً في بيوتنا، فنحن طوال الوقت على أهبة الاستعداد لأن يهاجمنا المعتدون، ويدمروا القرية فوق رؤوسنا.
لا مكان آمن لنأوي إليه في هذا العالم، فكل مكان يهرب إليه أبناء جلدتي يُطردون ويُضطهدون ويُقتلون وفي أحسن الأحوال يُجَمعون في مخيمات لجوء في دول الجوار في ظروف لا تصلح للحيوانات فكيف ببني الإنسان؟ كثير منا ركبوا المخاطر وحاولوا الفرار، فمنهم من وقع لقمة سائغة بين يدي تجار البشر فباعوه بيع العبيد، أو أنهم سلموه للبوذيين يتفننون في قتله كيف يشاءون، ومنا أيضاً من ركب مياه المحيط على ألواح خشبية بدائية أو قوارب مطاطية عساه يصل إلى مكان آمن يحفظ له كرامته الإنسانية.
بيد أن الاحتمالات التي تنتظر بني قومي هي، إما أن يقتلهم البوذيون، أو يطبقوا تجار البشر الخناق عليهم فيبيعوهم أو يقتلوهم وقد يسلموهم للبوذيين، أو الموت جوعاً ومرضاً في طريق الفرار، أو النجاة بأنفسهم والعيش في مخيمات اللجوء التي تفتقر لأدنى المقومات التي تليق بحياة البشر.
مشكلتنا يا سيدي أن حكومة وسكان ميانمار لا يعترفون بنا أصحاب أرض ومواطنون في هذه البقعة البائسة من العالم لأننا مسلمون، بل يعتبروننا لاجئين حللنا على ديارهم، وينتظرون اللحظة التي تأتي فلا يجدون منا أحداً؛ لهذا يقومون باستمرار بحملات إبادة لنا، يريدون التخلص منا بشتى الطرق، هم لا يحتملون أن يكون في تلك البلاد من يعتقد بغير عقيدتهم.. فكيف إذا كان مسلماً موحداً بالله مثلنا؟
ثم تابع الطفل يقول: لم أكمل لك يا سيدي حكايتي، بقيت أنا ووالدي فوق الشجرة طوال تلك الليلة، شاهدنا القرية تحترق بأم أعيننا، وتصبح هشيماً تذروه الرياح، وقبل بزوغ الفجر رحل المهاجمون بعد أن هدأت الأصوات وغدا الموت صاحب القول الفصل في المكان، لم نتجرأ أنا ووالدي على العودة للقرية، وقررنا الرحيل، ولو أننا لا نمتلك شيئاً حتى النعال نحتذيها في أقدامنا.
سرنا بين الأدغال والأوحال دون ماء وطعام، يومين متواصلين باتجاه الشمال، علنا نصل إلى حدود بنغلاديش، خلال الرحلة لدغت أفعى سامة والدي ولم نجد من يقدم له الرعاية الطبية فقضى نحبه بعد يومين من الحمى الشديدة، فبقيت وحدي.. وهمت جائعاً شريداً حتى وصلت إلى شريط طويل جداً من الأسلاك الشائكة فعلمت أنني على حدود بنغلاديش، تناهى إلى سمعي إطلاق نار من مسافة بعيدة، فأدركت أن الجيش البنغالي يطارد لاجئين يحاولون عبور الحدود، فآثرت الانتظار حتى تهدأ المطاردة. كنت منهكاً جائعاً عطِشاً، ورغم ذلك تسلقت شجرة كبيرة واختفيت بين أغصانها حتى حل الظلام، تناولت خلال رحلتي من أوراق الأشجار ما يعينني على البقاء. وفي الليل أضاء القمر المكان، فتسللت من مكمني، ومشيت فوق الأسلاك الشائكة التي أدمت قدمي ويدي، حتى دخلت أراضي بنغلاديش، والتقيت مع مجموعة لاجئين من بني قومي يجتازون الأسلاك الشائكة مثلي، سرنا معاً حتى بلغنا مخيم اللاجئين الذي أقيم فيه الآن.
وأضاف الطفل قائلاً: أرجوك سيدي أن تقول للعالم أجمع، لو أنني كنت طفلاً كاثوليكياً أو يهودياً لقام العالم أجمع لأجلي ولأجل حقوقي، ولكن لأني مسلم لم يأبه أحد بما يجري لي ولقومي، بل صموا آذانهم وأعموا عيونهم عن الانتهاكات التي تجري لي ولجميع أطفال الروهينغا المسلمين.
أنا طفل من إقليم أراكان في بورما، هاجم العسكر البوذيون قريتنا، أحرقوا كثيراً من البيوت الغارقة في الفقر، ولأنها بيوت بسيطة من الخشب والقش فقد اشتعلت فيها النيران بسرعة، شاهدت أناساً يفرون من داخلها تشتعل النار في أجسادهم، ثم ما يلبثون إلا أن يقعوا أرضاً جثثاً متفحمة، كنت أعرفهم جميعاً، جميعهم فقراء، بل معدمون، بسطاء مسالمون.
بعض البيوت الأخرى دخلها البوذيون وذبحوا من فيها من الأطفال والنساء ذبح النعاج، رأيت شيخاً كبيراً يحبه جميع أهل القرية كان ساهراً يتلو القرآن، هجم البوذيون على القرآن بين يديه، حاولوا انتزاعه ليدوسوه بأقدامهم كما فعلوا في البيوت الأخرى، فتمسك الشيخ به، وضمه إلى صدره بقوة، أخذوا يضربونه على وجهه ببساطيرهم حتى وقع مغشياً عليه، فانتزعوا القرآن بقوة وأخذوا يدوسونه، ثم أطلقوا النار على جبهة الشيخ من مسافة قريبة جداً.
من بعض البيوت الأخرى، انتزعوا الفتيات الصغيرات الجميلات، تلذذوا بانتزاع ملابسهن وتعريتهن، ومن أبدت أي مقاومة قتلوها وداسوا جثتها، من تبقى منهن قادوهن عاريات إلى حظيرة في طرف القرية، واغتصبوهن بشكل جماعي ووحشي.
في قريتي أحرقوا الأشجار، والأنعام، والبشر، لم يفلت من أذاهم أحد، شاهدتهم يدقون رأس أخي الأكبر بحجر حتى لفظ أنفاسه، أما والدتي فقد صبّوا مادة سريعة الاشتعال عليها هي وأختي الوليدة وأحرقوهما.
كنت ووالدي خارج القرية نحضر طعاماً عندما هاجمها العسكر، وقفنا نرقب ما يجري من قمة شجرة مرتفعة تطل على القرية، كاد قلبي يُنتزع من مكانه جزعاً، وكان والدي يرجوني أن لا أصدر أي صوت أو حركة تدل على وجودنا، فينقضوا علينا.. بلغ الخوف منا كل مبلغ، فنحن لا نمتلك أي شيء ندافع به عن أنفسنا، تمنينا لو نستطيع مساعدة أهل القرية، ولكن كيف يكون لنا ذلك ونحن لا نستطيع مساعدة أنفسنا.
كل ما جرى يومها كان عاراً يندى له جبين البشرية.. تمنيت لو أعلم السبب الذي يقف وراء هذه حملات التطهير المتلاحقة هذه والتي يهاجمون بها قرانا، بحيث لا تمر فترة قصيرة من الزمن من غير أن تبلغنا أخبار انتهاكات وحشية للقرى التي يعيش فيها مسلمو الروهينغا المضطهدون من البوذيين الذين يسفكون الدماء من دون أن يطرف لهم جفن. لا نشعر بالأمان نهائياً في بيوتنا، فنحن طوال الوقت على أهبة الاستعداد لأن يهاجمنا المعتدون، ويدمروا القرية فوق رؤوسنا.
لا مكان آمن لنأوي إليه في هذا العالم، فكل مكان يهرب إليه أبناء جلدتي يُطردون ويُضطهدون ويُقتلون وفي أحسن الأحوال يُجَمعون في مخيمات لجوء في دول الجوار في ظروف لا تصلح للحيوانات فكيف ببني الإنسان؟ كثير منا ركبوا المخاطر وحاولوا الفرار، فمنهم من وقع لقمة سائغة بين يدي تجار البشر فباعوه بيع العبيد، أو أنهم سلموه للبوذيين يتفننون في قتله كيف يشاءون، ومنا أيضاً من ركب مياه المحيط على ألواح خشبية بدائية أو قوارب مطاطية عساه يصل إلى مكان آمن يحفظ له كرامته الإنسانية.
بيد أن الاحتمالات التي تنتظر بني قومي هي، إما أن يقتلهم البوذيون، أو يطبقوا تجار البشر الخناق عليهم فيبيعوهم أو يقتلوهم وقد يسلموهم للبوذيين، أو الموت جوعاً ومرضاً في طريق الفرار، أو النجاة بأنفسهم والعيش في مخيمات اللجوء التي تفتقر لأدنى المقومات التي تليق بحياة البشر.
مشكلتنا يا سيدي أن حكومة وسكان ميانمار لا يعترفون بنا أصحاب أرض ومواطنون في هذه البقعة البائسة من العالم لأننا مسلمون، بل يعتبروننا لاجئين حللنا على ديارهم، وينتظرون اللحظة التي تأتي فلا يجدون منا أحداً؛ لهذا يقومون باستمرار بحملات إبادة لنا، يريدون التخلص منا بشتى الطرق، هم لا يحتملون أن يكون في تلك البلاد من يعتقد بغير عقيدتهم.. فكيف إذا كان مسلماً موحداً بالله مثلنا؟
ثم تابع الطفل يقول: لم أكمل لك يا سيدي حكايتي، بقيت أنا ووالدي فوق الشجرة طوال تلك الليلة، شاهدنا القرية تحترق بأم أعيننا، وتصبح هشيماً تذروه الرياح، وقبل بزوغ الفجر رحل المهاجمون بعد أن هدأت الأصوات وغدا الموت صاحب القول الفصل في المكان، لم نتجرأ أنا ووالدي على العودة للقرية، وقررنا الرحيل، ولو أننا لا نمتلك شيئاً حتى النعال نحتذيها في أقدامنا.
سرنا بين الأدغال والأوحال دون ماء وطعام، يومين متواصلين باتجاه الشمال، علنا نصل إلى حدود بنغلاديش، خلال الرحلة لدغت أفعى سامة والدي ولم نجد من يقدم له الرعاية الطبية فقضى نحبه بعد يومين من الحمى الشديدة، فبقيت وحدي.. وهمت جائعاً شريداً حتى وصلت إلى شريط طويل جداً من الأسلاك الشائكة فعلمت أنني على حدود بنغلاديش، تناهى إلى سمعي إطلاق نار من مسافة بعيدة، فأدركت أن الجيش البنغالي يطارد لاجئين يحاولون عبور الحدود، فآثرت الانتظار حتى تهدأ المطاردة. كنت منهكاً جائعاً عطِشاً، ورغم ذلك تسلقت شجرة كبيرة واختفيت بين أغصانها حتى حل الظلام، تناولت خلال رحلتي من أوراق الأشجار ما يعينني على البقاء. وفي الليل أضاء القمر المكان، فتسللت من مكمني، ومشيت فوق الأسلاك الشائكة التي أدمت قدمي ويدي، حتى دخلت أراضي بنغلاديش، والتقيت مع مجموعة لاجئين من بني قومي يجتازون الأسلاك الشائكة مثلي، سرنا معاً حتى بلغنا مخيم اللاجئين الذي أقيم فيه الآن.
وأضاف الطفل قائلاً: أرجوك سيدي أن تقول للعالم أجمع، لو أنني كنت طفلاً كاثوليكياً أو يهودياً لقام العالم أجمع لأجلي ولأجل حقوقي، ولكن لأني مسلم لم يأبه أحد بما يجري لي ولقومي، بل صموا آذانهم وأعموا عيونهم عن الانتهاكات التي تجري لي ولجميع أطفال الروهينغا المسلمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/zahra-khodrog/story_b_18863390.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات