يرتبط عيد الأضحى في الدول العربية والإسلامية بمظهر بارز؛ وهو نحر الأضاحي.. لكن في مصر، يُضاف إلى ذلك بعض العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة، بينها أطباق قادمة من التاريخ، صبيحة أول أيام العيد، المعروف بـ"العيد الكبير".
زيارة المقابر
"هذه عادات وتقاليد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا".. بصوت مليء بالفخر، يروي حلمي عبد الخالق (65 عاماً)، الذي يقطن إحدى قرى محافظة الغربية (شمال)، حكاياته عن عادات وتقاليد عيد الأضحى.
ويضيف المسنُّ الريفي وهو يروى أشجار الصبار أمام قبر ولده، بينما توزع زوجته الفاكهة والكعك على عدد من الفقراء المتكسدين حول المقابر: "لا بد أن أزور المقابر صباح كل عيد؛ لتهئنة ابني الذي تُوفي في حادث منذ عامين بالعيد، فأشعر وكأنه ما زال على قيد الحياة".
وهذه عادة تتكرر بسياقات أخرى مرتبطة بالعيد؛ فمن قرية مجاورة لسكن عبد الخالق، يروي خالد مصطفى (46 عاماً)، قائلاً: "نذهب يوم وقفة عرفة أو بعد العيد بيوم لزيارة الموتى وتهئنتهم بالعيد، لكننا نرفض زيارتهم صباح يوم العيد كما كان يقوم أجدادنا؛ لأن عدداً من علماء الدين حرَّموا هذا الأمر وقالوا إنه بدعة".
تلطيخ الأكفّ بالدماء
ويتحدث مصطفي عن عادة ثانية؛ وهي تلطيخ كف اليد بدماء الأضحية وطبعها على الجدران والسيارات، قائلاً: "هذه عادة قديمة توارثناها؛ اعتقاداً أنها تحمى من الحسد وتفدي السيارة وأصحاب المنزل من سوء القدر".
زيارة الأقارب
أما العادة الثالثة، فمرتبطة بزيارة الأقارب والأصدقاء عقب صلاة العيد، وهذا يظهر في ريف مصر وصعيده (جنوباً) بشكل خاص.
يقوم الرجال والشباب من كل عائلة، بعد الانتهاء من الصلاة، بالمرور على بيوت القرية جميعاً، والتي تكون قد فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال المهنئين منذ الساعات الأولى للصباح، وتزيَّن أطفال كل بيت وارتدوا الملابس الجديدة؛ استعداداً لتلقي "العيدية".
ولا تستغرق عملية المعايدة على كل بيت إلا دقائق معدودة، يقدم فيها أصحاب البيت للمهنئين الترمس المسلوق والمُملَّح، والفول السوداني وبعض الكعك الذي صُنع خصيصاً لهذه المناسبة.
لكن تلك العادة لا تحدث في الغالب بالمدن الكبرى.
تعطير المصلين
وهناك عادة رابعة، تظهر بصورة لافتة في القرى بشكل خاص، وهي تعطير المصلين قبل صلاة العيد، كنوع من أنواع الفرحة وتوثيق العلاقات الاجتماعية، وذلك بالوقوف أمام أماكن الصلاة والمساجد، وتعطير المصلين.
ويقوم بعض الأشخاص باصطحاب زجاجات من العطور معهم قبل الصلاة أو بعد الانتهاء منها، ويقوم صاحب العطر بإهداء من هو بجواره بعض مِسحات من العطر على الأيدي.
العيدية
أما العيدية، فهي من العادات المعروفة في ريف مصر وصعيدها، حيث يقدم الرجال خلال مرورهم على المنازل للتهنئة قدراً بسيطاً من المال لأطفال كل عائلة يمرون بها، ليتوافر لديهم مال يمكنهم من التمتع في العيد بشراء الحلوى والألعاب، والاستمتاع مع الأصدقاء بركوب الدراجات أو الأرجوحة (المراجيح).
وفي بعض العادات، يقدم الإخوة الرجال لأخواتهم البنات، حتى لو كنَّ متزوجات، العيدية كذلك.
ويختلف قدر المال المقدَّم من أسرة لأخرى حسب مستوى الدخل.
الترمس والكعك والرقاق
اعتادت النساء المصريات الاستعداد للعيد من خلال أنواع مميزة من التسالي التي تقدَّم للضيوف، مثل الفول السوداني المُملَّح، ونقع الترمس الجاف في الملح والماء المغلي، ثم تصفيته وتقديمه، وكذلك خبز الكعك المحلَّى بالسكر والعجوة والملبن.
ويشترك كل من عيد الأضحى وعيد الفطر في المأكولات السابقة، بينما يتميز عيد الأضحى بخبز الرقاق، وهو نوع من الخبز الجاف الرقيق الهش، الذي يتم إعداده خصيصاً ليؤكل مع شوربة الأضحية، فيما يشبه الثريد.
ويتم إعداده في جو احتفالي، حيث تجتمع نساء العائلة أو الجيران في مكان واحد ويقمن بإعداد أكبر كمية ممكنة وتخزينها للأكل في العيد، وتوزيع قدر منها على الأقارب.
تتبُّع دماء الأضاحي
ويظهر التقليد السابع لا سيما في المدن، وهو تتبُّع الفقراء علامات الدماء وتجمُّعات الأضاحى.
وعادة ما يتجمع الفقراء والمحتاجون أمام منازل اشتُهرت في أوساطهم بأنها اعتادت ذبح الأضاحي بشكل منتظم كل عيد أضحى، ويتجمع هؤلاء في وقت مبكر؛ لنيل لحوم تلك الأضاحي.
أما في القرى، فإن صاحب الأضحية يقوم بتقطيعها إلى كميات صغيرة "كيلو" أو أكثر بحسب عدد أفراد عائلات الفقراء الذين يعرفهم ويعتزم توزيع الأضاحي عليهم، ويكتب على كيس من اللحم اسم العائلة التي سيقدَّم إليها، وينتشر أطفال وشباب عائلة المضحِّي بين جنبات القرية؛ ليوزعوا لحوم الأضاحي على فقرائها في منازلهم يداً بيد مع التهنئة وتأكيد التعارف، قائلين: "هذه الأضحية من دار فلان الفلاني يا خالة.. وكل عام وأنتم بخير"، فيلهج لسان الفقراء بالدعاء للمضحِّين.
كما لا يتوقف توزيع لحوم الأضاحي عند الفقراء فقط؛ بل يتم توزيع ثلثها على الأقارب والمعارف كذلك، ولكن غالباً خلال زيارات عائلية مباشرة.
الفتة والرقاق
صبيحة أول أيام عيد الأضحى، يجتمع المصريون على مائدة لا تخلو من طبقين رئيسيَّين يعود تاريخهما إلى العصر الفرعوني.
الطبق الأول يُعرف الآن باسم "الفتة"، والثاني هو "الرقاق"، ولهما أثر في تاريخ مصر القديم، مع تعدد استخدام المصريين القدماء اللحم والخبز بأنواعه المختلفة، وفق باحثَين اثنين في تاريخ المصريين القدماء.
"الفتة"، هي خبز يُقطَّع إلى فتات صغيرة، يكسوها أرز ومرق اللحم والصلصة الحمراء أحياناً، بينما "الرقاق" عبارة عن رقائق مصنوعة من دقيق القمح، تُطَّعم بمرق اللحم وتُحشى بلحم مفروم.
مجدي شاكر، وهو باحث متخصص في التاريخ الفرعوني، يقول إن "حياة المصري القديم، لا سيما في عصور الترف، كانت قائمة على الخبز واللحم، وهناك أنواع كثيرة للخبز بأشكال مختلفة".
شاكر تابع أنه "من الطبيعي أن تتغيّر الأسماء، وأن تتطوّر العادات والتقاليد، لكن ما نراه الآن من الفتة والرقاق هو وثيق الصلة بعهد المصري القديم بصورة كبيرة للغاية، ومن يعود إلى صور قرابين الفراعنة يتأكد مما نطرحه".
على مقربة من هذا الطرح، قال عصام ستاتي، باحث في التراث الشعبي، إن "الفتة لها أثر في تاريخ الفراعنة، عبر خلط كسرات الخبز مع قطع اللحم".
ويشير إلى أنها سُميت هذا الاسم؛ لأنها تطهى من "فتات" الخبز، والأرز وقطع اللحم، وكان يعتبرها ملوك الفراعنة أكلة رفيعة المستوى.
وفي السياق ذاته، يرى محمد عفيفي، الأكاديمي المصري المتخصص في التاريخ، أن العادات والتقاليد لا تبقى على حالها، لكن تتعدل مع مرور الزمن، مشيراً إلى أن المصريين يتمسكون بها بشدة بخلاف بعض الدول العربية.
ويُعرف عيد الأضحى، في مصر باسم "العيد الكبير"؛ لأيامه التي تصل لـ4 أيام يسبقها يوم وقفة عرفة، بخلاف عيد الفطر المسمى العيد الصغير، كما يُعرف أيضاً بين عدد من الأوساط بـ"عيد اللحمة"؛ لتوزيع لحوم الأضاحي فيه وحرص المصريين على شراء كميات، حتى لو صغيرة، قبل حلوله.
زيارة المقابر
"هذه عادات وتقاليد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا".. بصوت مليء بالفخر، يروي حلمي عبد الخالق (65 عاماً)، الذي يقطن إحدى قرى محافظة الغربية (شمال)، حكاياته عن عادات وتقاليد عيد الأضحى.
ويضيف المسنُّ الريفي وهو يروى أشجار الصبار أمام قبر ولده، بينما توزع زوجته الفاكهة والكعك على عدد من الفقراء المتكسدين حول المقابر: "لا بد أن أزور المقابر صباح كل عيد؛ لتهئنة ابني الذي تُوفي في حادث منذ عامين بالعيد، فأشعر وكأنه ما زال على قيد الحياة".
وهذه عادة تتكرر بسياقات أخرى مرتبطة بالعيد؛ فمن قرية مجاورة لسكن عبد الخالق، يروي خالد مصطفى (46 عاماً)، قائلاً: "نذهب يوم وقفة عرفة أو بعد العيد بيوم لزيارة الموتى وتهئنتهم بالعيد، لكننا نرفض زيارتهم صباح يوم العيد كما كان يقوم أجدادنا؛ لأن عدداً من علماء الدين حرَّموا هذا الأمر وقالوا إنه بدعة".
تلطيخ الأكفّ بالدماء
ويتحدث مصطفي عن عادة ثانية؛ وهي تلطيخ كف اليد بدماء الأضحية وطبعها على الجدران والسيارات، قائلاً: "هذه عادة قديمة توارثناها؛ اعتقاداً أنها تحمى من الحسد وتفدي السيارة وأصحاب المنزل من سوء القدر".
زيارة الأقارب
أما العادة الثالثة، فمرتبطة بزيارة الأقارب والأصدقاء عقب صلاة العيد، وهذا يظهر في ريف مصر وصعيده (جنوباً) بشكل خاص.
يقوم الرجال والشباب من كل عائلة، بعد الانتهاء من الصلاة، بالمرور على بيوت القرية جميعاً، والتي تكون قد فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال المهنئين منذ الساعات الأولى للصباح، وتزيَّن أطفال كل بيت وارتدوا الملابس الجديدة؛ استعداداً لتلقي "العيدية".
ولا تستغرق عملية المعايدة على كل بيت إلا دقائق معدودة، يقدم فيها أصحاب البيت للمهنئين الترمس المسلوق والمُملَّح، والفول السوداني وبعض الكعك الذي صُنع خصيصاً لهذه المناسبة.
لكن تلك العادة لا تحدث في الغالب بالمدن الكبرى.
تعطير المصلين
وهناك عادة رابعة، تظهر بصورة لافتة في القرى بشكل خاص، وهي تعطير المصلين قبل صلاة العيد، كنوع من أنواع الفرحة وتوثيق العلاقات الاجتماعية، وذلك بالوقوف أمام أماكن الصلاة والمساجد، وتعطير المصلين.
ويقوم بعض الأشخاص باصطحاب زجاجات من العطور معهم قبل الصلاة أو بعد الانتهاء منها، ويقوم صاحب العطر بإهداء من هو بجواره بعض مِسحات من العطر على الأيدي.
العيدية
أما العيدية، فهي من العادات المعروفة في ريف مصر وصعيدها، حيث يقدم الرجال خلال مرورهم على المنازل للتهنئة قدراً بسيطاً من المال لأطفال كل عائلة يمرون بها، ليتوافر لديهم مال يمكنهم من التمتع في العيد بشراء الحلوى والألعاب، والاستمتاع مع الأصدقاء بركوب الدراجات أو الأرجوحة (المراجيح).
وفي بعض العادات، يقدم الإخوة الرجال لأخواتهم البنات، حتى لو كنَّ متزوجات، العيدية كذلك.
ويختلف قدر المال المقدَّم من أسرة لأخرى حسب مستوى الدخل.
الترمس والكعك والرقاق
اعتادت النساء المصريات الاستعداد للعيد من خلال أنواع مميزة من التسالي التي تقدَّم للضيوف، مثل الفول السوداني المُملَّح، ونقع الترمس الجاف في الملح والماء المغلي، ثم تصفيته وتقديمه، وكذلك خبز الكعك المحلَّى بالسكر والعجوة والملبن.
ويشترك كل من عيد الأضحى وعيد الفطر في المأكولات السابقة، بينما يتميز عيد الأضحى بخبز الرقاق، وهو نوع من الخبز الجاف الرقيق الهش، الذي يتم إعداده خصيصاً ليؤكل مع شوربة الأضحية، فيما يشبه الثريد.
ويتم إعداده في جو احتفالي، حيث تجتمع نساء العائلة أو الجيران في مكان واحد ويقمن بإعداد أكبر كمية ممكنة وتخزينها للأكل في العيد، وتوزيع قدر منها على الأقارب.
تتبُّع دماء الأضاحي
ويظهر التقليد السابع لا سيما في المدن، وهو تتبُّع الفقراء علامات الدماء وتجمُّعات الأضاحى.
وعادة ما يتجمع الفقراء والمحتاجون أمام منازل اشتُهرت في أوساطهم بأنها اعتادت ذبح الأضاحي بشكل منتظم كل عيد أضحى، ويتجمع هؤلاء في وقت مبكر؛ لنيل لحوم تلك الأضاحي.
أما في القرى، فإن صاحب الأضحية يقوم بتقطيعها إلى كميات صغيرة "كيلو" أو أكثر بحسب عدد أفراد عائلات الفقراء الذين يعرفهم ويعتزم توزيع الأضاحي عليهم، ويكتب على كيس من اللحم اسم العائلة التي سيقدَّم إليها، وينتشر أطفال وشباب عائلة المضحِّي بين جنبات القرية؛ ليوزعوا لحوم الأضاحي على فقرائها في منازلهم يداً بيد مع التهنئة وتأكيد التعارف، قائلين: "هذه الأضحية من دار فلان الفلاني يا خالة.. وكل عام وأنتم بخير"، فيلهج لسان الفقراء بالدعاء للمضحِّين.
كما لا يتوقف توزيع لحوم الأضاحي عند الفقراء فقط؛ بل يتم توزيع ثلثها على الأقارب والمعارف كذلك، ولكن غالباً خلال زيارات عائلية مباشرة.
الفتة والرقاق
صبيحة أول أيام عيد الأضحى، يجتمع المصريون على مائدة لا تخلو من طبقين رئيسيَّين يعود تاريخهما إلى العصر الفرعوني.
الطبق الأول يُعرف الآن باسم "الفتة"، والثاني هو "الرقاق"، ولهما أثر في تاريخ مصر القديم، مع تعدد استخدام المصريين القدماء اللحم والخبز بأنواعه المختلفة، وفق باحثَين اثنين في تاريخ المصريين القدماء.
"الفتة"، هي خبز يُقطَّع إلى فتات صغيرة، يكسوها أرز ومرق اللحم والصلصة الحمراء أحياناً، بينما "الرقاق" عبارة عن رقائق مصنوعة من دقيق القمح، تُطَّعم بمرق اللحم وتُحشى بلحم مفروم.
مجدي شاكر، وهو باحث متخصص في التاريخ الفرعوني، يقول إن "حياة المصري القديم، لا سيما في عصور الترف، كانت قائمة على الخبز واللحم، وهناك أنواع كثيرة للخبز بأشكال مختلفة".
شاكر تابع أنه "من الطبيعي أن تتغيّر الأسماء، وأن تتطوّر العادات والتقاليد، لكن ما نراه الآن من الفتة والرقاق هو وثيق الصلة بعهد المصري القديم بصورة كبيرة للغاية، ومن يعود إلى صور قرابين الفراعنة يتأكد مما نطرحه".
على مقربة من هذا الطرح، قال عصام ستاتي، باحث في التراث الشعبي، إن "الفتة لها أثر في تاريخ الفراعنة، عبر خلط كسرات الخبز مع قطع اللحم".
ويشير إلى أنها سُميت هذا الاسم؛ لأنها تطهى من "فتات" الخبز، والأرز وقطع اللحم، وكان يعتبرها ملوك الفراعنة أكلة رفيعة المستوى.
وفي السياق ذاته، يرى محمد عفيفي، الأكاديمي المصري المتخصص في التاريخ، أن العادات والتقاليد لا تبقى على حالها، لكن تتعدل مع مرور الزمن، مشيراً إلى أن المصريين يتمسكون بها بشدة بخلاف بعض الدول العربية.
ويُعرف عيد الأضحى، في مصر باسم "العيد الكبير"؛ لأيامه التي تصل لـ4 أيام يسبقها يوم وقفة عرفة، بخلاف عيد الفطر المسمى العيد الصغير، كما يُعرف أيضاً بين عدد من الأوساط بـ"عيد اللحمة"؛ لتوزيع لحوم الأضاحي فيه وحرص المصريين على شراء كميات، حتى لو صغيرة، قبل حلوله.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/01/story_n_17885096.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات