قالت مجلة The New Yorker الأميركية، إن العلاقات بين روسيا وإيران، آخذة بالتعمق في سبيل مواجهة الولايات المتحدة، حول العديد من القضايا الإقليمية المتقاربة للغاية، خاصة منذ تولى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكم في 2017.
وتروي الكاتبة روبن رايت والمهتمة بالشأن الإيراني، كيف شاهدت جلوس وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ثلجي الشعر، بجانب نظيره الروسي سيرغي لافروف بصورةٍ حميمة على مقاعد جلدية بيضاء في مؤتمر نادي فالداي للحوار حول الشرق الأوسط، والذي شهد أيضاً محادثاتٍ ثنائية، حيث قال ظريف إنَّ "مواقف إيران وروسيا حول العديد من القضايا الإقليمية متقاربة للغاية".
قبل هذا اللقاء بأيام، قالت الكاتبة إن لقاء سرياً جمع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري الشهر الماضي فبراير/شباط سراً مع ظريف على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، وهو ملتقى عالمي لنخبة المعنيين بالسياسة الخارجية، كانت خلاصته بأن حثَّ كيري الإيرانيين بهدوءٍ على عدم التخلي عن الاتفاق أو انتهاك شروطه مهما فعلت إدارة ترامب.
تتعجب الكاتبة من التحول الكبير الذي حدث خلال سنة، فبعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وأميركا، كانت العلاقات بين موسكو وطهران السابق تكتيكية من الناحية العسكرية، وفاترة من الناحية الدبلوماسية، وعملية براغماتية من الناحية الاقتصادية، أما اليوم فقد تحولت إلى شراكةٍ استراتيجية متنامية.
وعن هذا التحول ترى المجلة أن سعي بوتين الحثيث لجعل روسيا قوةً عظمى مرةً أخرى جزء من دوافع هذا التقارب، أمَّا هدف إيران فهو فقط أن تصبح طرفاً فاعلاً من جديد، فمنذ تولى ترامب الحكم في 2017، أصبح لدى موسكو وطهران روابط مشتركة متزايدة: التوترات المتزايدة مع واشنطن، والسعي لتوسيع مجالي نفوذهما في الشرق الأوسط.
وتنقل المجلة عن مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران، والزميل السابق في مركز بيلفر بجامعة هارفارد كايهان بارزيغار، قوله: "قبل عامين، كانت الولايات المتحدة هي مَن تُشكِّل القضايا الإقليمية، حتى في ما يتعلَّق بإيران. لكن انتهى هذا الآن. فروسيا الآن هي مَن تحظى بجاذبيةٍ لدى الفاعلين الإقليميين الذين باتت لديهم رغبة للارتباط بالدينامية الروسية. أنتجت الولايات المتحدة ارتباكاً إقليمياً. وملأت روسيا الفراغ في النفوذ".
تقول المجلة أن هذه العلاقات المتعمقة، انعكست في ساعة غير اعتيادية قضاها بوتين برفقة خامنئي عندما زار بوتين طهران في نوفمبر/تشرين الثاني لعقد مباحثاتٍ مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. وفقاً للإعلام الإيراني، حيث قال خامنئي لبوتين: "تعاوننا بإمكانه عزل أميركا". ووصف بوتين التعاون الروسي – الإيراني المتزايد بأنَّه "مثمرٌ للغاية".
لكن الشيء الأهم من ذلك من وجهة نظر المجل هو ما قاله علي فائز الإيراني – الأميركي الذي يترأس ملف إيران في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل: "الشيء الأهم الذي قاله بوتين هو: 'لن أخونكم'".
وكما يقول فائز، كانت رسالة بوتين لخامنئي بالأساس هي أنَّ بإمكانكم أن تثقوا بنا. لن ننكث عهودنا كالأميركيين. وأضاف فائز: "هذه لحظة فاصلة في تحالفٍ آخذ في التطور لم يتمكَّن على مدار العقود القليلة الماضية أن يتجاوز مرحلة العلاقات التكتيكية. ولهذا انعكاساتٌ في أرجاء الشرق الأوسط والعالم بصورةٍ أوسع".
توقيت هذا التصريح كان مهماً أيضاً فقد جاءت المباحثات بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان ترامب أنَّه لن يُصدِّق على امتثال إيران للاتفاق النووي التاريخي، على الرغم من التقارير المتكررة من جانب الهيئة الرقابية التابعة للأمم المحدة، وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تفيد بأنَّ طهران أوفت بالتزاماتها بصورةٍ مستمرة. جديرٌ بالذكر أنَّ البيت الأبيض مُطالَب من الكونغرس بالتصديق على امتثال إيران كل 90 يوماً.
في يناير/كانون الثاني الماضي، اتخذ ترامب خطوةً إضافية. إذ حذَّر إيران أنَّه سـ"يُنهي" الاتفاق النووي -المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"- ما لم توافق على تغيير الشروط. وقال في بيان: "لا يجب أن يُشكك أحد في كلمتي". ولا تدعم أيٌّ من الأطراف الرئيسية الأخرى -أوروبا أو روسيا أو الصين- تعديل الاتفاق.
على مدار العام الماضي، زادت أيضاً درجة التعاون العسكري بين موسكو وطهران. وكان اللواء قاسم سليماني القائد القوي لفيلق القدس النخبوي الإيراني -الذي يُعَد فرعاً ضمن الحرس الثوري مكافئ لقوات العمليات الخاصة الأميركية- هو واجهة التعاون بين البلدين، خصوصاً في سوريا منذ 2015. وأصبحت الاتصالات الآن على مستوى أعلى بكثير.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان الروسية طهران لإجراء محادثاتٍ مع نظيره الإيراني اللواء محمد باقري، الخبير السابق في الاستخبارات العسكرية في الحرس الثوري الذي يشرف الآن على كلٍ من الحرس الثوري، والجيش النظامي، والقوات البحرية والجوية الإيرانية.
وقال باقري: "يوجد تعاونٌ عسكري جيد بين إيران وروسيا، وبالطبع توجد مجالات عديدة لتوسيع التعاون". وأخبرتني مصادر روسية وإيرانية أنَّ القائدين العسكريين يتواصلان بشكلٍ متزايد.
إلا أن المجلة الأميركية ترى أن موسكو وطهران بعيدتان كل البعد عن أن تكونا حليفتين طبيعيتين. فعلى مدى قرون، كانت روسيا المجاورة والإمبراطوريات الفارسية طرفين متنافسين. وخاضتا سلسلةً من الحروب بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، ما أجبر إيران على التنازل عن أراضٍ لروسيا في ما أصبحت اليوم بلدان جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، إلى جانب ممتلكاتٍ أخرى في القوقاز وآسيا الوسطى.
كما وأدَّى احتلال روسيا لإيران أثناء الحرب العالمية الثانية -ورفضها المغادرة بعد ذلك- إلى أولى الأزمات في مجلس الأمن الدولي الذي كان حديث النشأة آنذاك. ونثر التحذير النهائي من الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين بالانسحاب من إيران بذور الحرب الباردة.
وكان النظام الملكي الإيراني يخشى النظام الشيوعي لدرجة أنَّه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ببناء موقع تنصت كبير بمحاذاة الحدود. وبعد ثورة 1979، أدانت الجمهورية الإسلامية الحديثة جارتها الملحدة إلى الشمال منها؛ وأصبح شعار "لا شرق ولا غرب" هو عقيدة سياستها الخارجية. وسلَّح الاتحاد السوفييتي العراق وقدَّم له المشورة في حمام الدم الذي استمر ثمانية أعوام بعدما غزا صدام حسين إيران. لقد كانت موسكو مبغوضةً بقدر واشنطن. وكما يقول هاديان: "في إيران، يوجد تاريخ طويل من انعدام الثقة في الروس".
تحسَّنت العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، ولو كان ذلك بشكلٍ محدود ولغرض خدمة مصالح ذاتية. إذ تولَّت روسيا الضعيفة بناء مفاعل نووي تجاري في مدينة بوشهر الساحلية جنوب غرب البلاد، وهي الخطة التي جرى التفاوض بشأنها لأول مرة بين الشاه وألمانيا في السبعينيات. وعقدت صناعة السلاح الروسية المتعثرة صفقاتٍ مع إيران المُتعطِّشة للحصول على الأسلحة، بما في ذلك صفقة صواريخ أرض جو إس-300. لكنَّ روسيا كانت بطيئة في الوفاء بالتزاماتها. إذ وُقِّع عقد بوشهر في منتصف التسعينيات، لكنَّ المفاعل لم يبدأ العمل حتى عام 2013. ولم ينتهِ تسليم صواريخ سام التي جرى التفاوض بشأنها في 2007 حتى عام 2015. وأشار هاديان: "لم تفِ روسيا بالتزاماتها في الموعد. لكنَّها أوفت بها بالفعل".
إلا أن المجلة الأميركية ترى أنه لا تزال هناك اختلافات بين موسكو وطهران، وحتى أهدافهما المشتركة لها دوافع متباينة. إذ تنقل عن إرينا زفياغيلسكايا كبيرة الباحثين بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية قولها: "إيران مهمة لنا في سوريا وكذلك في القوقاز وآسيا الوسطى. لكن هذا لا يعني القول إنَّ علاقتنا تخلو من الخلاف والتوتر".
في مؤتمر نادي فالداي، أنَّب لافروف إيران علناً بسبب خطابها تجاه إسرائيل. وقال بينما يجلس ظريف بجواره: "الادعاءات التي مؤداها أنَّ إسرائيل ككيانٍ صهيوني لابد أن تُدمَّر وتُمحى من على وجه الأرض ليست مقبولة. هذه قطعاً هي الطريقة الخاطئة التي قد يروِّج أحدهم بها لمصالحه". واحتل هذا التوبيخ عناوين الأخبار في إسرائيل.
في الوقت نفسه، قال لافروف: "لا نوافق على المحاولات التي تُبذَل للنظر في أي قضية إقليمية عبر منظور الحاجة لمعارضة إيران". وكانت تلك لطمة روسية واضحة على وجه الولايات المتحدة وحلفائها في المَلَكيات العربية وإسرائيل، الذين شكَّلوا تحالفاً فعلياً مع ترامب لاحتواء أو مواجهة إيران.
في الأشهر الأخيرة، واصلت روسيا جهودها من خلال تعطيل إجراءاتٍ عقابية اقترحتها بلدانٌ غربية ضد إيران في الأمم المتحدة. ففي 26 فبراير/شباط، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد قرارٍ اقترحته المملكة المتحدة ودعمته الولايات المتحدة يتهم إيران بانتهاك حظر التسلُّح المفروض على اليمن. وكان تقريرٌ أممي في يناير/كانون الثاني قد ربط بين إيران والصواريخ التي أطلقها اليمنيون الحوثيون على السعودية. واتهم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة التقرير بأنَّه كان "انتقائياً ومثيراً للجدل".
وفي يناير/كانون الثاني، انتقدت روسيا والصين وفرنسا الولايات المتحدة حين دعت لعقد جلسة لمجلس الأمن لانتقاد حملة القمع الإيرانية على احتجاجات الشوارع، التي أشعلها ارتفاع الأسعار والبطالة. ورد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة بالتساؤل عن سبب عدم تناول الهيئة الدولية لرد فعل الشرطة الأميركية على احتجاجات حركة Black Lives Matter (حياة السود مهمة) في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري.
وقال فائز: "بعد الاتفاق النووي في 2015، شعر بوتين بالقلق حيال التقارب بين إيران والولايات المتحدة. كانت لديه مصلحة في منع ذلك، وهو ما تزامن مع التنسيق بينهما في سوريا. أمورٌ كثيرة تغيرت. وروسيا الآن هي أهم وأقوى حلفاء إيران".
وتروي الكاتبة روبن رايت والمهتمة بالشأن الإيراني، كيف شاهدت جلوس وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ثلجي الشعر، بجانب نظيره الروسي سيرغي لافروف بصورةٍ حميمة على مقاعد جلدية بيضاء في مؤتمر نادي فالداي للحوار حول الشرق الأوسط، والذي شهد أيضاً محادثاتٍ ثنائية، حيث قال ظريف إنَّ "مواقف إيران وروسيا حول العديد من القضايا الإقليمية متقاربة للغاية".
قبل هذا اللقاء بأيام، قالت الكاتبة إن لقاء سرياً جمع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري الشهر الماضي فبراير/شباط سراً مع ظريف على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، وهو ملتقى عالمي لنخبة المعنيين بالسياسة الخارجية، كانت خلاصته بأن حثَّ كيري الإيرانيين بهدوءٍ على عدم التخلي عن الاتفاق أو انتهاك شروطه مهما فعلت إدارة ترامب.
روابط مشتركة متزايدة
تتعجب الكاتبة من التحول الكبير الذي حدث خلال سنة، فبعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وأميركا، كانت العلاقات بين موسكو وطهران السابق تكتيكية من الناحية العسكرية، وفاترة من الناحية الدبلوماسية، وعملية براغماتية من الناحية الاقتصادية، أما اليوم فقد تحولت إلى شراكةٍ استراتيجية متنامية.
وعن هذا التحول ترى المجلة أن سعي بوتين الحثيث لجعل روسيا قوةً عظمى مرةً أخرى جزء من دوافع هذا التقارب، أمَّا هدف إيران فهو فقط أن تصبح طرفاً فاعلاً من جديد، فمنذ تولى ترامب الحكم في 2017، أصبح لدى موسكو وطهران روابط مشتركة متزايدة: التوترات المتزايدة مع واشنطن، والسعي لتوسيع مجالي نفوذهما في الشرق الأوسط.
وتنقل المجلة عن مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران، والزميل السابق في مركز بيلفر بجامعة هارفارد كايهان بارزيغار، قوله: "قبل عامين، كانت الولايات المتحدة هي مَن تُشكِّل القضايا الإقليمية، حتى في ما يتعلَّق بإيران. لكن انتهى هذا الآن. فروسيا الآن هي مَن تحظى بجاذبيةٍ لدى الفاعلين الإقليميين الذين باتت لديهم رغبة للارتباط بالدينامية الروسية. أنتجت الولايات المتحدة ارتباكاً إقليمياً. وملأت روسيا الفراغ في النفوذ".
لن أخونكم
تقول المجلة أن هذه العلاقات المتعمقة، انعكست في ساعة غير اعتيادية قضاها بوتين برفقة خامنئي عندما زار بوتين طهران في نوفمبر/تشرين الثاني لعقد مباحثاتٍ مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. وفقاً للإعلام الإيراني، حيث قال خامنئي لبوتين: "تعاوننا بإمكانه عزل أميركا". ووصف بوتين التعاون الروسي – الإيراني المتزايد بأنَّه "مثمرٌ للغاية".
لكن الشيء الأهم من ذلك من وجهة نظر المجل هو ما قاله علي فائز الإيراني – الأميركي الذي يترأس ملف إيران في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل: "الشيء الأهم الذي قاله بوتين هو: 'لن أخونكم'".
وكما يقول فائز، كانت رسالة بوتين لخامنئي بالأساس هي أنَّ بإمكانكم أن تثقوا بنا. لن ننكث عهودنا كالأميركيين. وأضاف فائز: "هذه لحظة فاصلة في تحالفٍ آخذ في التطور لم يتمكَّن على مدار العقود القليلة الماضية أن يتجاوز مرحلة العلاقات التكتيكية. ولهذا انعكاساتٌ في أرجاء الشرق الأوسط والعالم بصورةٍ أوسع".
توقيت هذا التصريح كان مهماً أيضاً فقد جاءت المباحثات بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان ترامب أنَّه لن يُصدِّق على امتثال إيران للاتفاق النووي التاريخي، على الرغم من التقارير المتكررة من جانب الهيئة الرقابية التابعة للأمم المحدة، وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تفيد بأنَّ طهران أوفت بالتزاماتها بصورةٍ مستمرة. جديرٌ بالذكر أنَّ البيت الأبيض مُطالَب من الكونغرس بالتصديق على امتثال إيران كل 90 يوماً.
في يناير/كانون الثاني الماضي، اتخذ ترامب خطوةً إضافية. إذ حذَّر إيران أنَّه سـ"يُنهي" الاتفاق النووي -المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"- ما لم توافق على تغيير الشروط. وقال في بيان: "لا يجب أن يُشكك أحد في كلمتي". ولا تدعم أيٌّ من الأطراف الرئيسية الأخرى -أوروبا أو روسيا أو الصين- تعديل الاتفاق.
تعاون عسكري أعلى.. ولكن!
على مدار العام الماضي، زادت أيضاً درجة التعاون العسكري بين موسكو وطهران. وكان اللواء قاسم سليماني القائد القوي لفيلق القدس النخبوي الإيراني -الذي يُعَد فرعاً ضمن الحرس الثوري مكافئ لقوات العمليات الخاصة الأميركية- هو واجهة التعاون بين البلدين، خصوصاً في سوريا منذ 2015. وأصبحت الاتصالات الآن على مستوى أعلى بكثير.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان الروسية طهران لإجراء محادثاتٍ مع نظيره الإيراني اللواء محمد باقري، الخبير السابق في الاستخبارات العسكرية في الحرس الثوري الذي يشرف الآن على كلٍ من الحرس الثوري، والجيش النظامي، والقوات البحرية والجوية الإيرانية.
وقال باقري: "يوجد تعاونٌ عسكري جيد بين إيران وروسيا، وبالطبع توجد مجالات عديدة لتوسيع التعاون". وأخبرتني مصادر روسية وإيرانية أنَّ القائدين العسكريين يتواصلان بشكلٍ متزايد.
إلا أن المجلة الأميركية ترى أن موسكو وطهران بعيدتان كل البعد عن أن تكونا حليفتين طبيعيتين. فعلى مدى قرون، كانت روسيا المجاورة والإمبراطوريات الفارسية طرفين متنافسين. وخاضتا سلسلةً من الحروب بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، ما أجبر إيران على التنازل عن أراضٍ لروسيا في ما أصبحت اليوم بلدان جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، إلى جانب ممتلكاتٍ أخرى في القوقاز وآسيا الوسطى.
كما وأدَّى احتلال روسيا لإيران أثناء الحرب العالمية الثانية -ورفضها المغادرة بعد ذلك- إلى أولى الأزمات في مجلس الأمن الدولي الذي كان حديث النشأة آنذاك. ونثر التحذير النهائي من الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين بالانسحاب من إيران بذور الحرب الباردة.
وكان النظام الملكي الإيراني يخشى النظام الشيوعي لدرجة أنَّه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ببناء موقع تنصت كبير بمحاذاة الحدود. وبعد ثورة 1979، أدانت الجمهورية الإسلامية الحديثة جارتها الملحدة إلى الشمال منها؛ وأصبح شعار "لا شرق ولا غرب" هو عقيدة سياستها الخارجية. وسلَّح الاتحاد السوفييتي العراق وقدَّم له المشورة في حمام الدم الذي استمر ثمانية أعوام بعدما غزا صدام حسين إيران. لقد كانت موسكو مبغوضةً بقدر واشنطن. وكما يقول هاديان: "في إيران، يوجد تاريخ طويل من انعدام الثقة في الروس".
تحسَّنت العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، ولو كان ذلك بشكلٍ محدود ولغرض خدمة مصالح ذاتية. إذ تولَّت روسيا الضعيفة بناء مفاعل نووي تجاري في مدينة بوشهر الساحلية جنوب غرب البلاد، وهي الخطة التي جرى التفاوض بشأنها لأول مرة بين الشاه وألمانيا في السبعينيات. وعقدت صناعة السلاح الروسية المتعثرة صفقاتٍ مع إيران المُتعطِّشة للحصول على الأسلحة، بما في ذلك صفقة صواريخ أرض جو إس-300. لكنَّ روسيا كانت بطيئة في الوفاء بالتزاماتها. إذ وُقِّع عقد بوشهر في منتصف التسعينيات، لكنَّ المفاعل لم يبدأ العمل حتى عام 2013. ولم ينتهِ تسليم صواريخ سام التي جرى التفاوض بشأنها في 2007 حتى عام 2015. وأشار هاديان: "لم تفِ روسيا بالتزاماتها في الموعد. لكنَّها أوفت بها بالفعل".
علاقة لا تخلو من التوتر
إلا أن المجلة الأميركية ترى أنه لا تزال هناك اختلافات بين موسكو وطهران، وحتى أهدافهما المشتركة لها دوافع متباينة. إذ تنقل عن إرينا زفياغيلسكايا كبيرة الباحثين بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية قولها: "إيران مهمة لنا في سوريا وكذلك في القوقاز وآسيا الوسطى. لكن هذا لا يعني القول إنَّ علاقتنا تخلو من الخلاف والتوتر".
في مؤتمر نادي فالداي، أنَّب لافروف إيران علناً بسبب خطابها تجاه إسرائيل. وقال بينما يجلس ظريف بجواره: "الادعاءات التي مؤداها أنَّ إسرائيل ككيانٍ صهيوني لابد أن تُدمَّر وتُمحى من على وجه الأرض ليست مقبولة. هذه قطعاً هي الطريقة الخاطئة التي قد يروِّج أحدهم بها لمصالحه". واحتل هذا التوبيخ عناوين الأخبار في إسرائيل.
في الوقت نفسه، قال لافروف: "لا نوافق على المحاولات التي تُبذَل للنظر في أي قضية إقليمية عبر منظور الحاجة لمعارضة إيران". وكانت تلك لطمة روسية واضحة على وجه الولايات المتحدة وحلفائها في المَلَكيات العربية وإسرائيل، الذين شكَّلوا تحالفاً فعلياً مع ترامب لاحتواء أو مواجهة إيران.
في الأشهر الأخيرة، واصلت روسيا جهودها من خلال تعطيل إجراءاتٍ عقابية اقترحتها بلدانٌ غربية ضد إيران في الأمم المتحدة. ففي 26 فبراير/شباط، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد قرارٍ اقترحته المملكة المتحدة ودعمته الولايات المتحدة يتهم إيران بانتهاك حظر التسلُّح المفروض على اليمن. وكان تقريرٌ أممي في يناير/كانون الثاني قد ربط بين إيران والصواريخ التي أطلقها اليمنيون الحوثيون على السعودية. واتهم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة التقرير بأنَّه كان "انتقائياً ومثيراً للجدل".
وفي يناير/كانون الثاني، انتقدت روسيا والصين وفرنسا الولايات المتحدة حين دعت لعقد جلسة لمجلس الأمن لانتقاد حملة القمع الإيرانية على احتجاجات الشوارع، التي أشعلها ارتفاع الأسعار والبطالة. ورد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة بالتساؤل عن سبب عدم تناول الهيئة الدولية لرد فعل الشرطة الأميركية على احتجاجات حركة Black Lives Matter (حياة السود مهمة) في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري.
وقال فائز: "بعد الاتفاق النووي في 2015، شعر بوتين بالقلق حيال التقارب بين إيران والولايات المتحدة. كانت لديه مصلحة في منع ذلك، وهو ما تزامن مع التنسيق بينهما في سوريا. أمورٌ كثيرة تغيرت. وروسيا الآن هي أهم وأقوى حلفاء إيران".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/03/04/story_n_19364092.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات