وجه مساعد رئيس تحرير صحيفة الغارديان انتقادات شديدة لما وصفه بتزلّف الحكام البريطانيين للملكة العربية السعودية دون مراعاة للقيم والمبادئ. وقال سايمون تيسدال في مقال إن بلاده لا تهتم بقمع الرياض للناشطين والمعارضين وحقوق الإنسان والمرأة.
نص المقال
هل تذكرون رائف بدوي؟ إنه المدون الذي حُكم عليه عام 2012 بعشر سنوات في السجن و1000 جلدة، لأنه تجرأ على الدعوة لاحترام حقوق الإنسان، والعلمانية والديمقراطية في موطنه الأصلي في السعودية. تلقى رائف الخمسين جلدة الأولى في ميدان عام بجدة عام 2015، وأوشكت يومها السياط على قتله، وهو ما أسفر عن موجة من الاستنكار الدولي. ومنذ ذلك الحين، لم يُجلَد بدوي مرة أخرى، لكنه مازال في السجن.
أما المتحكم في مصير بدوي، محمد بن سلمان -ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للسعودية- فسيكون في لندن هذا الأسبوع. بالطبع لن يُجلد ولي العهد. لكن الكثيرين في بريطانيا وفرنسا- مسار زيارته المرتقبة- يرون أنه قد حان الوقت لتوجيه حديث جدي إلى ابن سلمان حول استمرار نظامه في قمع النشطاء والخصوم السياسيين، والتمييز المنهجي ضد النساء، والاستخدام الروتيني للتعذيب وعقوبة الإعدام، وبالطبع، حربه الدموية في اليمن.
تسري شائعات بأن بدوي وبعضاً من السجناء السياسيين المختارين قد يتلقون عفواً ملكياً عن قريب. يشعر بن سلمان بالقلق حول استقباله هنا. فمن المقرر تنظيم بعض الاحتجاجات يوم الأربعاء على يد مجموعات من ضمنها الحملة ضد تجارة السلاح. وعلى الرغم من أن إطلاق سراح بدوي سيكون محل ترحيب واضح، إلا أن المناورة التهكمية المُضمنَة في أي تحرك مفاجئ لإطلاق سراحه تزامناً مع وصول ابن سلمان إلى داونينغ ستريت، لا يجب أن تخدع أحداً.
تتضمن زيارة ابن سلمان، الممتدة ليومين، رحلة إلى ويندسور للقاء العائلة المالكة، وهو ما يثير العديد من التساؤلات. صرحت تيريزا ماي بأن هدف اللقاء هو "تعزيز علاقاتنا حول العالم، والدفاع عن قيمنا". ووعدت بإثارة النقاش الجاد حول القضايا ذات الاهتمام المشترك "مثل الأمن الإقليمي والصراع والوضع الإنساني في اليمن".
كان ذلك ليكون جيداً، لو كان قابلاً للتصديق. لكن في الحقيقة، فإن التحالف البريطاني السعودي هو تحالف خبيث، يُخرج أسوأ ما في الطرفين، ويتسبب في تآكل "قيمنا". لا ينصب تركيز ماي على العدد الذي لا يحصى من المدنيين اليمنيين الذين يلقون حتفهم جراء القصف الذي تقوده السعودية بدعم بريطاني، ولا على الطريقة التي تُستخدم بها قوانين مكافحة الإرهاب السعودية ومحاكمها لملاحقة الناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين والأكاديميين المنشقين واضطهادهم، على الرغم من حملة الإصلاح المفترضة التي يتزعمها ابن سلمان، ولا حتى على قيادة النساء أو ملاحقة الأقلية الشيعية المسلمة في السعودية واضطهادها.
يتضمن جدول أعمال ماي 3 بنود لها الأولوية، بريكست على رأسها. إذ ينصب اهتمامها على إقناع السعوديين بأن بريطانيا مازالت شريكاً تجارياً واستثمارياً هاماً حتى بعد خروجها المرتقب من الاتحاد الأوروبي. لابد أن تكون اتفاقية التجارة الثنائية بالقرب من صدارة قائمة ليام فوكس للأشياء التي يتعين عليه إتمامها بعد مارس/آذار من العام القادم. أما قبل ذلك، فإن أحد الاختبارات الجوهرية لهذا الطموح البريطاني ما بعد بريكست سيتمثل فيما إذا كان السعوديون سيختارون لندن، بدلاً من نيويورك أو طوكيو أو هونغ كونغ، من أجل طرح سندات شركة أرامكو، شركة النفط المملوكة للدولة، وهو العرض العام الأولي الأكثر قيمة في التاريخ على الأرجح. ويُقال أن هناك قراراً وشيكاً بشأن ذلك، ولا علاقة "للقيم البريطانية" به.
أما البند الثاني، فهو تطلع ماي ووزرائها للحفاظ على علاقات المملكة المتحدة على صعيد الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب، وتوسيع نطاقها. زعم ديفيد كاميرون ذات مرة أن الاستخبارات السعودية منعت وقوع هجمات إرهابية في بريطانيا، كما أن التحالف السعودي مُقدر للغاية على صعيد القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وغيرهما من الجماعات الجهادية. وبتجاهل الدلائل المشيرة إلى الدور الجوهري الذي لعبته الوهابية السنية السعودية في الترويج للتطرف المناهض للغرب، يُنظر إلى السعودية باعتبارها منارة الإسلام.
تزداد هذه الانحيازات غير المنطقية رسوخاً. ففي تحول سياسي، يقوده بوريس جونسون، الذي يصف نفسه بأحد أقرب رفاق ابن سلمان حسبما تفيد التقارير، فإن بريطانيا تزداد مساندة للنهج المتشدد الذي تتخذه الولايات المتحدة والسعودية تجاه إيران، عدو الرياض الإقليمي. وتدعم الخارجية البريطانية حالياً الاتفاق النووي الذي وقعه الغرب مع إيران في عام 2015، وهو الاتفاق الذي استنكره السعوديون ودونالد ترامب، كما كانت الوزارة قد عملت بجد لتطبيع العلاقات في الأعوام الأخيرة.
ولكن في خضوع واضح للرياض، إضافة إلى واشنطن وتل أبيب، بدأت بريطانيا في التأكيد على قلقها المشترك جراء دور إيران المتصاعد في سوريا ولبنان، ودعمها للحوثيين في اليمن، وبرنامجها الصاروخي الباليستي. بينما تأبى بريطانيا من الجهة الأخرى الانتقاد العلني للحصار السعودي على قطر، الحليفة الغربية الهامة.
ثالثاً، ترغب حكومة ماي في حماية مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وزيادتها إن أمكن، بالرغم من الجدل المحيط بهذه القضية. أفادت التقارير بأن المملكة المتحدة باعت ما تزيد قيمته على 4.6 مليار جنيه إسترليني من القنابل والطائرات المقاتلة، منذ بدء الحملة على اليمن في 2015. وتتضمن هذه المبيعات مقاتلات تايفون وقنابل بيفواي الرابعة. إضافة إلى المزيد من مبيعات الطائرات الوشيكة، خاصة إن جرت زيارة ابن سلمان على ما يرام. وعلى الرغم من أهمية وظائف قطاع الدفاع، إلا أنه من الواجب التوقف عند هذا الحد.
على ماي إيقاف هذا التزلف المقيت والمهين تجاه نظام غير ديمقراطي، وتجاه قائده الشاب المستبد والمتهور، الذي تبدو إصلاحاته المعلنة التي يُروج لها بكثرة مثل واجهة للتزيين، بينما لا تقطع خطوات جدية باتجاه التغيير الجوهري. وكما قالت كيت آلن، مديرة منظمة العفو الدولية بالمملكة المتحدة، "تمثل هذه الزيارة فرصة سانحة للمملكة المتحدة لإظهار بعض الحزم تجاه السعودية". وبينما تتلاقى المصالح البريطانية والسعودية على بعض الأصعدة، فإن قيمهما لا تفعل.
سايمون تيسدال: مساعد رئيس التحرير في صحيفة الغارديان وكاتب عمود الشؤون الخارجية. وكان سابقاً كاتباً متخصصاً في الشؤون الأجنبية للصحيفة وعمل أيضاً كمحرر أجنبي ومراسل الصحيفة من العاصمة الأميركية واشنطن. وبين 1996 إلى 1998 كان المحرر الأجنبي لمجلة أوبزرفر.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2018/03/04/story_n_19364080.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات