سلَّطت صحيفة تليغراف البريطانية الضوءَ على فريق كرة القدم السوري، الذي اقترب من التأهل لنهائيات كأس العالم بروسيا لأول مرة في تاريخه، بعد تعادله من المنتخب الإيراني قبل عدة أسابيع.
وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها، السبت 30 سبتمبر/أيلول 2017، إن هذا الفريق يحاول حلَّ معضلة كبرى بين أعضائه، وهي الاختلاف بين مؤيد للنظام السوري وبين معارض، وكذلك ما سيكون عليه الحال في المستقبل إذا ما نجح هذا الفريق في التأهل للمونديال عام 2018.
وركَّزت الصحيفة البريطانية على اللاعبين الذين انشقوا عن النظام السوري ثم عادوا مرة أخرى هذا العام، ومنهم اللاعب المميز عمر السومة، الذي سجَّل هدفاً في الثواني الأخيرة من المباراة، التي منحت سوريا الأمل في الوصول إلى روسيا بعد التعادل مع إيران.
وكان هدف التعادل الذي أحرزه السومة في الدقيقة 93 ضد إيران في وقتٍ سابق من هذا الشهر، سبتمبر/أيلول، قد أبقت على حلم سوريا في التأهل لكأس العالم للمرة الأولى.
والآن، سيواجه الفريق السوري أستراليا، في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، للفوز بمقعد في بطولة كأس العالم 2018، التي ستُقام في روسيا، وهو إنجازٌ لا يُصدَّق لفريقٍ لم يلعب مباراة دولية في سوريا منذ اندلاع الحرب في عام 2011، بحسب الصحيفة البريطانية.
قصة عمر السومة
وفي أي بلد آخر، سيكون المهاجم الذي يجلب مثل هذا الأمل لفريقٍ سيصبح في يومٍ من الأيام بطلاً قومياً. ومع ذلك، فإنَّ الأوضاع في سوريا أكثر تعقيداً.
وقضى اللاعب، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، معظم السنوات الخمس الماضية في منفى اختياري. وآخر مرة لعب فيها السومة لصالح بلاده كانت في عام 2012، عندما ساعدهم على الفوز ببطولة غرب آسيا لكرة القدم ذلك العام. وفي مباراته الأخيرة في الكويت، رفع السومة علم الثوار ذا الثلاث نجوم، وهي خطوة كان يعلم أنَّها ستثير المشكلات بالنسبة له.
وأمضى السومة تلك السنوات الفاصلة بين 2012 وحتى الآن، وهو يلعب لصالح أحد فرق دوري المحترفين في المملكة العربية السعودية، التي تُمثِّل العدو الإقليمي الرئيسي للنظام السوري، بحسب الصحيفة البريطانية.
فراس الخطيب
ولم يكن السومة هو المُنشق الوحيد. فكان زميله فراس الخطيب، الذي يعتبر أفضل لاعب سوري على الإطلاق، قد أعلن في عام 2012 أنَّه لن يلعب لبلده طالما استمر نظام الأسد في قصف المدنيين.
وقد تعرَّض مسقط رأس الخطيب في حمص، وهي مدينة ذات أغلبية سُنّيّة كانت من بين أولى المدن التي ثارت ضد النظام الذي يقوده العلويون، لقصفٍ مُدمِّر من قِبل قوات بشار الأسد.
وفي النهاية، وبعد ما وصفوه بالمشاورات المُحزِنة، جرى استدراجهما مرةً أخرى. وأصدر النظام السوري عفواً نادراً لأفضل الهدَّافين السابقين.
وقال الخطيب عند وقت صدور القرار: "مهما حدث، فإنَّ 12 مليون سوري سيحبونني"، مشيراً بذلك إلى عدد النازحين بسبب النزاع، وأضاف: "وسيرغب الـ12 مليون الآخرين بقتلي".
ومنذ عودتهما، أصبح الفريق في أفضل مستوى له في الذاكرة الحديثة، وهو الأمر الذي سبَّب الإحراج لمعارضيهما الذين يمتلكون موارد أفضل.
ولم تقترب سوريا من التأهل منذ إقصائها في المرحلة الأخيرة قبل نهائيات كأس العالم 1986 في المكسيك، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقد ثَبُتَ أنَّ تجميع الفريق كان هو المهمة الأسهل أمام المنتخب.
إذ تمنع قيود الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومخاوفه الأمنية الفرق الدولية من اللعب في سوريا.
وكان المنتخب السوري على بعد يومٍ واحد من التخلي عن حملته بالكامل، بسبب عدم وجود دول صديقة لاستضافتهم، وذلك إلى أن وافقت ماليزيا، التي أبقت على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، في سبتمبر/أيلول الماضي.
واضطر الفيفا لتجميد الأموال المخصصة لتنمية كرة القدم في سوريا، بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على البلاد. ووفقاً لما علمته صحيفة التليغراف البريطانية، فإنَّ الاستثمارات الخاصة في سوريا هي عند حدودها الدنيا.
ويصبح لاعب كرة القدم المحترف في سوريا محظوظاً إذا حصل على ألف دولار في السنة، في حين أنَّ أعلى الأجور قد تصل إلى 30 ألف دولار.
وقال لاعب خط الوسط تامر الحاج محمد لصحيفة التلغراف: "من الجميل جداً أنَّ نتجمَّع معاً مرةً أخرى. لقد لعبنا معاً كأطفال، لكنَّنا لم نرَ بعضنا البعض منذ سنوات. ونحن لا نفكر في اختلافاتنا كما يفعل الآخرون".
وقليلٌ فقط في سوريا مَن نجا مِن الانقسام الطائفي العميق الذي يقسم البلاد، وهو ما يجعل فريق كرة القدم مثالاً نادراً على التعددية.
ويعكس مزيج سوريا من الأعراق والأديان نسيجها المعقد. فالسومة والخطيب هما من المسلمين السُّنّة، بينما ينتمي حارس المرمى إبراهيم عالمة إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، في حين ينتمي المهاجم مارديك مارديكيان إلى الأرمن، ولاعب خط الوسط تامر حاج محمد إلى الشركس.
ويقف لاعبو الفريق معاً قبل كل مباراة لغناء النشيد تحت علم النظام السوري.
رأي المشجعين السوريين
وقال يامن، الذي يبلغ 28 عاماً، وهو سوري من دمشق ويعيش حالياً في بيروت للتليغراف: "نعلم جميعاً أنَّ اللاعبين لديهم ديانات مختلفة ووجهات نظر سياسية، لكن بالنسبة لي، فإنَّ الفريق الوطني يشبه مدرسةً أو مركزاً ثقافياً".
وأضاف: "فالحكومة تحاول دائماً السيطرة على المنتخب وجعله يبدو وكأنَّه يمثلها. ولذلك يشعر بعض السوريين أنَّنا بمتابعتنا للمنتخب لا نقوم سوى بتطبيق ما تريد الحكومة إثباته. لكنَّ هذا ليس صحيحاً، فهذا منتخبٌ وطني يمثِّل كل سوريا".
وسألتُ أحد مُشجِّعي كرة القدم الداعمين للمعارضة إذا ما كان يجد صعوبة في التوفيق بين الاثنين، بحسب تليغراف.
وقال أحمد علي من مدينة درعا الجنوبية، والذي يعيش الآن في تركيا: "إنَّه فريق الأسد، ولا ينبغي لأحد أن ينسى ذلك. أنا أستمتع بمشاهدة الرياضة، لكنَّني لا أستطيع دعم سوريا من كامل قلبي بسبب ذلك. لقد أصبح العلم رمزاً للنظام القاتل الذي استخدم الغاز السام، والتجويع، والتعذيب، والبراميل المتفجرة ضد شعبه".
وإن كان الشك لا يزال يساور أي شخص بشأن ولاءات الفريق، فقد توجَّه مدرب الفريق السابق فجر إبراهيم إلى مؤتمرٍ صحفي قبل إحدى المباريات في سنغافورة في عام 2015 وهو يرتدي قميصاً يحمل صورة الأسد.
ونُقل عنه قوله: "رئيسنا يتابعنا في كل خطوة. إنَّه يدعمنا، ونحن نلعب من أجل بلدنا ومن أجله أيضاً".
ويطلب النظام من لاعبيه إظهار نفس هذا الولاء الذي أظهره إبراهيم.
فوفقاً لأنس عمو، وهو صحفي رياضي من حلب انتقل إلى تركيا لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، كانت هناك عواقب وخيمة بالنسبة لأولئك الذين اختاروا الجانب الخاطئ.
ونشر عمو تقريراً اتهم الحكومة بسجن وقتل رياضييها على نطاقٍ واسع.
وزعم أنَّ هناك ما لا يقل عن 39 حالة وفاة بين لاعبي فرق الدرجة الأولى والثانية، يمكن نسبها مباشرةً إلى النظام. ويُحتجز حالياً 13 رياضياً داخل سجون سورية سيئة السمعة، بينهم ثلاثة أعضاء سابقين في المنتخب الوطني.
وقال: "إذا لم يُظهِر أحد الاحترام للأسد، ينتهي به المطاف في السجن. ولم نسمع أخباراً بشأن أياً من الـ13 على الإطلاق"، بحسب تليغراف.
ومن بين الرياضيين الـ13، جهاد قصاب، وهو نجمٌ سابق بأحد الفرق المحترفة التي تلعب في مدينة حمص، تلك المدينة التي أصبحت تُعرف بـ"مهد الثورة". واعتُقِل قصاب، في أغسطس/آب 2014، لسببٍ لم يُعلَن عنه، ولم يُر أو يُسمع عنه هو أيضاً منذ ذلك الحين.
وقال صديقٌ له لشبكة "إي إس بي إن" الرياضية الأميركية، التي نشرت تحقيقاً عن كرة القدم السورية في وقت سابق من العام الجاري: "لو كان جهاد يعيش في بلد آخر لكان كُرِّم وكُوفِئ على تاريخه الطويل الحافِل بالإنجازات في مجال الرياضة. لكن في سوريا، وفي ظل حكم الأسد، كل ما حصل عليه هو الاحتجاز والتعذيب".
واختفى والد أحد المدافعين في الفريق الحالي، علاء الشبلي، بعدما أعرب عن تعاطفه مع قضية الثوار.
وقال عمو: "بعد مباراة منتخبي سوريا وإيران، قال علاء: الفضل يعود لبشار الأسد"، مضيفاً: "هذا هو الديكتاتور الذي زَجَّ بوالده في السجن قبل ست سنوات. وما زال الفتى لم يعرف حتى الآن ما إذا كان والده توفي أم على قيد الحياة. في الحقيقة لا أفهم كيف أمكنه أن يظهر بالتلفزيون وقول أشياء كتلك".
ولا يسع البعض في المعارضة إلا الشعور بالمرارة مما آلت إليه الأمور.
وقال أصدقاء قدامى للسومة من مدينة دير الزور شرقي سوريا، التي يسيطر عليها حالياً تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لصحيفة التليغراف، إنَّهم يشعرون بخيبة أمل بعودته للعب لصالح "فريق الديكتاتور".
وتكهَّنوا أنَّه ربما حصل على مبلغ من المال للتخلي عن الثورة. وقال أحدهم، يعيش الآن بألمانيا، وطلب عدم ذكر اسمه: "إنَّها ضربة دعائية كبيرة من جانب النظام". وأضاف: "كرة القدم هي إحدى الطرق التي يخبرون العالم بها أنَّ كل شيء طبيعي، وأنَّنا نسيطر على الأوضاع".
ويقول آخرون إنَّ الأمر الأكثر ترجيحاً هو أن يكون أدرك تحول وِجهة رياح السياسة.
ففي الوقت الذي أعلن فيه السومة والخطيب مقاطعتهما، كان كثيرون يتوقعون سقوط الأسد.
وقال فارس الشهابي، وهو نائب بالبرلمان السوري، لصحيفة التليغراف بعد أيامٍ قليلة من المباراة في أحد مقاهي بيروت: "كان يوماً رائعاً لسوريا. فلم نثبت أنفسنا على الساحة الدولية فحسب، لكنَّنا هزمنا الإرهابيين بالديار أيضاً".
وأضاف: "لا يهم إذا تأهلنا أو لا، ما يهم هو أنَّنا بلغنا هذه المرحلة، والتي تُعَد إنجازاً كبيراً بعد ست سنوات من الحرب".
وكان الشهابي واثقاً من أنَّ تلك اللحظة ستشكِّل تغييراً في مصير بلاده. إذ حقَّق الجيش لبلاده انتصاراً عسكرياً، في حين استعاد منتخب كرة القدم روحه المعنوية.
وقال رامي يوسف، وهو شاعر سوري مؤيد للنظام السوري يعيش في بيروت: "في رأيي، هناك أمل في الوحدة. أعتقد أنَّ الاحتفاء بمنتخبنا الوطني هو أحد السُّبُل لنتجمع معاً، وليس هناك شك في أنَّنا نتشارك حب بلدنا".
وتابع: "كان لدي دوماً أملٌ في العودة إلى سوريا، وكنتُ واثقاً من ذلك بنسبة 100%، والآن أشعر بالثقة في ذلك بنسبة 180%، بسبب ما حقَّقه المنتخب الوطني".
وتزداد قوة الفريق بشكلٍ مطرد. ويقول السومة إنَّ لديهم أفضل فريق منذ 15 عاماً مضت.
ومع ذلك، فإنَّ أستراليا، التي تأهلت لآخر ثلاث كؤوس عالم، ستُمثِّل تحدياً كبيراً.
وقال تامر حاج محمد، لاعب خط الوسط، إنَّه إذا استطاع هو وزملاؤه فقط منح السوريين 90 دقيقة من الفرح، مهما كانت قناعاتهم السياسية، فإنَّهم بذلك يكونون قد أدوا مهمتهم على أكمل وجه.
وأضاف: "آمل أن نتأهل لكأس العالم، وأن نجعلهم سعداء مرة أخرى. فكلنا أبناء سوريا في نهاية المطاف".
وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها، السبت 30 سبتمبر/أيلول 2017، إن هذا الفريق يحاول حلَّ معضلة كبرى بين أعضائه، وهي الاختلاف بين مؤيد للنظام السوري وبين معارض، وكذلك ما سيكون عليه الحال في المستقبل إذا ما نجح هذا الفريق في التأهل للمونديال عام 2018.
وركَّزت الصحيفة البريطانية على اللاعبين الذين انشقوا عن النظام السوري ثم عادوا مرة أخرى هذا العام، ومنهم اللاعب المميز عمر السومة، الذي سجَّل هدفاً في الثواني الأخيرة من المباراة، التي منحت سوريا الأمل في الوصول إلى روسيا بعد التعادل مع إيران.
وكان هدف التعادل الذي أحرزه السومة في الدقيقة 93 ضد إيران في وقتٍ سابق من هذا الشهر، سبتمبر/أيلول، قد أبقت على حلم سوريا في التأهل لكأس العالم للمرة الأولى.
والآن، سيواجه الفريق السوري أستراليا، في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، للفوز بمقعد في بطولة كأس العالم 2018، التي ستُقام في روسيا، وهو إنجازٌ لا يُصدَّق لفريقٍ لم يلعب مباراة دولية في سوريا منذ اندلاع الحرب في عام 2011، بحسب الصحيفة البريطانية.
قصة عمر السومة
وفي أي بلد آخر، سيكون المهاجم الذي يجلب مثل هذا الأمل لفريقٍ سيصبح في يومٍ من الأيام بطلاً قومياً. ومع ذلك، فإنَّ الأوضاع في سوريا أكثر تعقيداً.
وقضى اللاعب، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، معظم السنوات الخمس الماضية في منفى اختياري. وآخر مرة لعب فيها السومة لصالح بلاده كانت في عام 2012، عندما ساعدهم على الفوز ببطولة غرب آسيا لكرة القدم ذلك العام. وفي مباراته الأخيرة في الكويت، رفع السومة علم الثوار ذا الثلاث نجوم، وهي خطوة كان يعلم أنَّها ستثير المشكلات بالنسبة له.
وأمضى السومة تلك السنوات الفاصلة بين 2012 وحتى الآن، وهو يلعب لصالح أحد فرق دوري المحترفين في المملكة العربية السعودية، التي تُمثِّل العدو الإقليمي الرئيسي للنظام السوري، بحسب الصحيفة البريطانية.
فراس الخطيب
ولم يكن السومة هو المُنشق الوحيد. فكان زميله فراس الخطيب، الذي يعتبر أفضل لاعب سوري على الإطلاق، قد أعلن في عام 2012 أنَّه لن يلعب لبلده طالما استمر نظام الأسد في قصف المدنيين.
وقد تعرَّض مسقط رأس الخطيب في حمص، وهي مدينة ذات أغلبية سُنّيّة كانت من بين أولى المدن التي ثارت ضد النظام الذي يقوده العلويون، لقصفٍ مُدمِّر من قِبل قوات بشار الأسد.
وفي النهاية، وبعد ما وصفوه بالمشاورات المُحزِنة، جرى استدراجهما مرةً أخرى. وأصدر النظام السوري عفواً نادراً لأفضل الهدَّافين السابقين.
وقال الخطيب عند وقت صدور القرار: "مهما حدث، فإنَّ 12 مليون سوري سيحبونني"، مشيراً بذلك إلى عدد النازحين بسبب النزاع، وأضاف: "وسيرغب الـ12 مليون الآخرين بقتلي".
ومنذ عودتهما، أصبح الفريق في أفضل مستوى له في الذاكرة الحديثة، وهو الأمر الذي سبَّب الإحراج لمعارضيهما الذين يمتلكون موارد أفضل.
ولم تقترب سوريا من التأهل منذ إقصائها في المرحلة الأخيرة قبل نهائيات كأس العالم 1986 في المكسيك، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقد ثَبُتَ أنَّ تجميع الفريق كان هو المهمة الأسهل أمام المنتخب.
إذ تمنع قيود الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومخاوفه الأمنية الفرق الدولية من اللعب في سوريا.
وكان المنتخب السوري على بعد يومٍ واحد من التخلي عن حملته بالكامل، بسبب عدم وجود دول صديقة لاستضافتهم، وذلك إلى أن وافقت ماليزيا، التي أبقت على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، في سبتمبر/أيلول الماضي.
واضطر الفيفا لتجميد الأموال المخصصة لتنمية كرة القدم في سوريا، بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على البلاد. ووفقاً لما علمته صحيفة التليغراف البريطانية، فإنَّ الاستثمارات الخاصة في سوريا هي عند حدودها الدنيا.
ويصبح لاعب كرة القدم المحترف في سوريا محظوظاً إذا حصل على ألف دولار في السنة، في حين أنَّ أعلى الأجور قد تصل إلى 30 ألف دولار.
وقال لاعب خط الوسط تامر الحاج محمد لصحيفة التلغراف: "من الجميل جداً أنَّ نتجمَّع معاً مرةً أخرى. لقد لعبنا معاً كأطفال، لكنَّنا لم نرَ بعضنا البعض منذ سنوات. ونحن لا نفكر في اختلافاتنا كما يفعل الآخرون".
وقليلٌ فقط في سوريا مَن نجا مِن الانقسام الطائفي العميق الذي يقسم البلاد، وهو ما يجعل فريق كرة القدم مثالاً نادراً على التعددية.
ويعكس مزيج سوريا من الأعراق والأديان نسيجها المعقد. فالسومة والخطيب هما من المسلمين السُّنّة، بينما ينتمي حارس المرمى إبراهيم عالمة إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، في حين ينتمي المهاجم مارديك مارديكيان إلى الأرمن، ولاعب خط الوسط تامر حاج محمد إلى الشركس.
ويقف لاعبو الفريق معاً قبل كل مباراة لغناء النشيد تحت علم النظام السوري.
رأي المشجعين السوريين
وقال يامن، الذي يبلغ 28 عاماً، وهو سوري من دمشق ويعيش حالياً في بيروت للتليغراف: "نعلم جميعاً أنَّ اللاعبين لديهم ديانات مختلفة ووجهات نظر سياسية، لكن بالنسبة لي، فإنَّ الفريق الوطني يشبه مدرسةً أو مركزاً ثقافياً".
وأضاف: "فالحكومة تحاول دائماً السيطرة على المنتخب وجعله يبدو وكأنَّه يمثلها. ولذلك يشعر بعض السوريين أنَّنا بمتابعتنا للمنتخب لا نقوم سوى بتطبيق ما تريد الحكومة إثباته. لكنَّ هذا ليس صحيحاً، فهذا منتخبٌ وطني يمثِّل كل سوريا".
وسألتُ أحد مُشجِّعي كرة القدم الداعمين للمعارضة إذا ما كان يجد صعوبة في التوفيق بين الاثنين، بحسب تليغراف.
وقال أحمد علي من مدينة درعا الجنوبية، والذي يعيش الآن في تركيا: "إنَّه فريق الأسد، ولا ينبغي لأحد أن ينسى ذلك. أنا أستمتع بمشاهدة الرياضة، لكنَّني لا أستطيع دعم سوريا من كامل قلبي بسبب ذلك. لقد أصبح العلم رمزاً للنظام القاتل الذي استخدم الغاز السام، والتجويع، والتعذيب، والبراميل المتفجرة ضد شعبه".
وإن كان الشك لا يزال يساور أي شخص بشأن ولاءات الفريق، فقد توجَّه مدرب الفريق السابق فجر إبراهيم إلى مؤتمرٍ صحفي قبل إحدى المباريات في سنغافورة في عام 2015 وهو يرتدي قميصاً يحمل صورة الأسد.
ونُقل عنه قوله: "رئيسنا يتابعنا في كل خطوة. إنَّه يدعمنا، ونحن نلعب من أجل بلدنا ومن أجله أيضاً".
ويطلب النظام من لاعبيه إظهار نفس هذا الولاء الذي أظهره إبراهيم.
فوفقاً لأنس عمو، وهو صحفي رياضي من حلب انتقل إلى تركيا لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، كانت هناك عواقب وخيمة بالنسبة لأولئك الذين اختاروا الجانب الخاطئ.
ونشر عمو تقريراً اتهم الحكومة بسجن وقتل رياضييها على نطاقٍ واسع.
وزعم أنَّ هناك ما لا يقل عن 39 حالة وفاة بين لاعبي فرق الدرجة الأولى والثانية، يمكن نسبها مباشرةً إلى النظام. ويُحتجز حالياً 13 رياضياً داخل سجون سورية سيئة السمعة، بينهم ثلاثة أعضاء سابقين في المنتخب الوطني.
وقال: "إذا لم يُظهِر أحد الاحترام للأسد، ينتهي به المطاف في السجن. ولم نسمع أخباراً بشأن أياً من الـ13 على الإطلاق"، بحسب تليغراف.
ومن بين الرياضيين الـ13، جهاد قصاب، وهو نجمٌ سابق بأحد الفرق المحترفة التي تلعب في مدينة حمص، تلك المدينة التي أصبحت تُعرف بـ"مهد الثورة". واعتُقِل قصاب، في أغسطس/آب 2014، لسببٍ لم يُعلَن عنه، ولم يُر أو يُسمع عنه هو أيضاً منذ ذلك الحين.
وقال صديقٌ له لشبكة "إي إس بي إن" الرياضية الأميركية، التي نشرت تحقيقاً عن كرة القدم السورية في وقت سابق من العام الجاري: "لو كان جهاد يعيش في بلد آخر لكان كُرِّم وكُوفِئ على تاريخه الطويل الحافِل بالإنجازات في مجال الرياضة. لكن في سوريا، وفي ظل حكم الأسد، كل ما حصل عليه هو الاحتجاز والتعذيب".
واختفى والد أحد المدافعين في الفريق الحالي، علاء الشبلي، بعدما أعرب عن تعاطفه مع قضية الثوار.
وقال عمو: "بعد مباراة منتخبي سوريا وإيران، قال علاء: الفضل يعود لبشار الأسد"، مضيفاً: "هذا هو الديكتاتور الذي زَجَّ بوالده في السجن قبل ست سنوات. وما زال الفتى لم يعرف حتى الآن ما إذا كان والده توفي أم على قيد الحياة. في الحقيقة لا أفهم كيف أمكنه أن يظهر بالتلفزيون وقول أشياء كتلك".
ولا يسع البعض في المعارضة إلا الشعور بالمرارة مما آلت إليه الأمور.
وقال أصدقاء قدامى للسومة من مدينة دير الزور شرقي سوريا، التي يسيطر عليها حالياً تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لصحيفة التليغراف، إنَّهم يشعرون بخيبة أمل بعودته للعب لصالح "فريق الديكتاتور".
وتكهَّنوا أنَّه ربما حصل على مبلغ من المال للتخلي عن الثورة. وقال أحدهم، يعيش الآن بألمانيا، وطلب عدم ذكر اسمه: "إنَّها ضربة دعائية كبيرة من جانب النظام". وأضاف: "كرة القدم هي إحدى الطرق التي يخبرون العالم بها أنَّ كل شيء طبيعي، وأنَّنا نسيطر على الأوضاع".
ويقول آخرون إنَّ الأمر الأكثر ترجيحاً هو أن يكون أدرك تحول وِجهة رياح السياسة.
ففي الوقت الذي أعلن فيه السومة والخطيب مقاطعتهما، كان كثيرون يتوقعون سقوط الأسد.
وقال فارس الشهابي، وهو نائب بالبرلمان السوري، لصحيفة التليغراف بعد أيامٍ قليلة من المباراة في أحد مقاهي بيروت: "كان يوماً رائعاً لسوريا. فلم نثبت أنفسنا على الساحة الدولية فحسب، لكنَّنا هزمنا الإرهابيين بالديار أيضاً".
وأضاف: "لا يهم إذا تأهلنا أو لا، ما يهم هو أنَّنا بلغنا هذه المرحلة، والتي تُعَد إنجازاً كبيراً بعد ست سنوات من الحرب".
وكان الشهابي واثقاً من أنَّ تلك اللحظة ستشكِّل تغييراً في مصير بلاده. إذ حقَّق الجيش لبلاده انتصاراً عسكرياً، في حين استعاد منتخب كرة القدم روحه المعنوية.
وقال رامي يوسف، وهو شاعر سوري مؤيد للنظام السوري يعيش في بيروت: "في رأيي، هناك أمل في الوحدة. أعتقد أنَّ الاحتفاء بمنتخبنا الوطني هو أحد السُّبُل لنتجمع معاً، وليس هناك شك في أنَّنا نتشارك حب بلدنا".
وتابع: "كان لدي دوماً أملٌ في العودة إلى سوريا، وكنتُ واثقاً من ذلك بنسبة 100%، والآن أشعر بالثقة في ذلك بنسبة 180%، بسبب ما حقَّقه المنتخب الوطني".
وتزداد قوة الفريق بشكلٍ مطرد. ويقول السومة إنَّ لديهم أفضل فريق منذ 15 عاماً مضت.
ومع ذلك، فإنَّ أستراليا، التي تأهلت لآخر ثلاث كؤوس عالم، ستُمثِّل تحدياً كبيراً.
وقال تامر حاج محمد، لاعب خط الوسط، إنَّه إذا استطاع هو وزملاؤه فقط منح السوريين 90 دقيقة من الفرح، مهما كانت قناعاتهم السياسية، فإنَّهم بذلك يكونون قد أدوا مهمتهم على أكمل وجه.
وأضاف: "آمل أن نتأهل لكأس العالم، وأن نجعلهم سعداء مرة أخرى. فكلنا أبناء سوريا في نهاية المطاف".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/30/story_n_18149134.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات