نظريات الكتب لا تكفي
نظريات ومبادئ تُقرأ وتُحفظ في الكثير من مناهج وأدبيات الحركات الإسلامية التي ألفت خصيصاً لتكون سبيلاً للوصول لغاية تلك الحركات، عن طريق رؤيتها لواقع ملموس يطبق في سلوك أبناء الحركة بشكلٍ مخصص في جزءٍ من الدعوة، أو بصورة عامة شمولية ترى الإسلام من جميع الجوانب الدنيوية المادية والدينية الروحية.
ولكن ما الذي حدث؟
أرى المبادئ والأركان تبدّل في واقعٍ غير ملموس لها، بل واقع ينبعث منه شرارة الكراهية والحقد ورفض الآخر وازدواجية المعايير وقيد الفكر، فأُلغي الفهم، وتحولت الطاعة إلى طاقةٍ بشرية عمياء لا ترى إلا واجب التنفيذ بدون فهمٍ حقيقي، حلّ التقديس مكان الاحترام، وتربع عرش الثقة في لباس قادة بأعينهم لا يقبل الشك أن يأتي إليهم، ويأبى الخطأ أن يفعل لديهم، فهم منزّهون تجاهه، بعيدون كل البعد عن الانحرافات واتباع الهوى، فالهوى عندما يأتي، لا يأتي إلا لشبابٍ مثلنا لا يعرف الكثير، ليس لديه خبرة، كما قالوا لنا وعنا.
وماذا فعلت الخبرة الواسعة التي اكتسبها قادة الحركة الإسلامية سواء كانوا شيوخاً للدين أو سياسيين محنكين؟ لا شيء.
يقال عنهم في بعض الأحيان: هذا شيخي عالم الدين، تقبيل يده محبوب بالنسبة للدين، أو الأخ الكبير المحنك المبجل الذي يعرف كل شيء عن أي شيء.
الأول نراه يتخاذل عن نصرة الحق خوفاً من السلطان، يقف في الإعراب ضمير مستتر تقديره اللحية البيضاء الطويلة، والثاني يخطئ ويقدح في خطئه دون محاسبةٍ أو لوم، وغلمان هذا وذاك يفتحون نيران ألسنتهم بالسباب والتخوين والشرود لمن ينتقد الشيخ أو الأخ الأكبر.
وحتى لا يتم تخويني ويثبت شرودي عند أحدهم بتلك الكلمات التي أكتبها لشق الصف والبنيان المرصوص، وفي أي شيء يفيد الصف إن كان قوامه وبنيانه مرصوصاً بطوبٍ ولبنٍة هشة مبادئها غير صحيحة، فكرها لم يكتمل نضجه، انتماؤها للأشخاص لا للأفكار.
علينا أن نبني صفوفنا بعقيلة الإسلام لا بأهواء الجماعات، علينا تحطيم قدسية الأصنام عندهم.
يدرسون، يفكرون، ويخططون، بل ويأخذون بالأسباب، لكن كل ما يحدث لهم من ضعفٍ وهوانٍ لهم وللدين في الأرض.
يقولون لنا: هذه سنة الأنبياء والمرسلين عندما يقومون بحمل رسالة الله يسجنون ويقتلون ويهجرون، ألا عرفتم قصة سيدنا إبراهيم؟ ألم تسمعوا كيف فعل فرعون بقومه وموسى عندما وقف أمام البحر؟ هل قرأتم عن محمد وهو محاصر في الشِّعب؟
يتخذون من سُنة الابتلاء حجةً كاملة المعاني والمفاهيم، ستاراً يقفون وراءه من مواجهة ضعف حجتهم وفهمهم الصحيح للدين وتواكلهم المنافي للأسباب، فالدين دين نصر وعزة، والسنن تمكين وخلافة راشدة انتهت وتبدأ من جديد في زمن قادم علينا عندما نريد، كما قال رسولنا الحبيب، رسالة حب ونصح وبناء ليس كرهاً وهدماً.
الفهم ثم الطاعة
انتهى الوقت الآن، نحن في عامنا السابع من ربيعنا الذي سُرق بسبب غفلتنا التي سببت بعدم فهمنا المفرط وطاعتنا المفرطة في كثيرٍ من الأشياء.
من الصعب أن ينساق الشباب كالخراف وراء أفكارٍ مشوشٍة وخطط مترنحة واستراتيجيات خاوية المعنى والدليل، أصبحت الأكذوبة واضحة، انبعاث رائحة عفنة من نظريات القيم والمبادئ الماكثة على ورقها لا تتحرك في سلوك واقعي.
لا أوجه حروفي لأشخاص أو جماعات بعينها، فلا أنتمي لأحد غير قرآني وسُنة من أتى برسالة الله للعالمين، فلنترك القطيع ولا نقدس أحداً ونفهم واقع الدين والدنيا، بل ندرس التاريخ والسياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع، فلا تقدم للمستقبل بدون نظرة ثاقبة نحو التاريخ، ففيه عِبرة المتأخرين والمتقدمين، بناء الأمم وانحدارها، فيه كيفية الصواب وكيفية تجنّب الخطأ، يحكي لنا سنن الابتلاء حتى نصبر وسنن النصر والتمكين حتى نسعى إليها.
للفهم شروط يجب توافرها حتى تأتي طاعة واقعية شرعية واجبة يحبها القائد والجندي، الفهم أولاً، لماذا وكيف؟
لو تعلمنا السؤال لمكثت عقولنا وقلوبنا هادئة بلا شكوكٍ وأفكار ملحدة، بل جلست متربعة في عرش يقينها بنصرة الدين والدنيا.
وكلامي لا يدّعي للاستقلال والبعد عن الجماعات كما يظن البعض، فيد الله مع الجماعة، وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" ولكن هنا أسأل، واسمح لي أيها المطيع أن أسأل:
ما هي الجماعة؟ وما المقصود بحبل الله؟
أليست الجماعة التي تقيم الدين بشكل صحيح بلا مغالاة وتفريط ولا قيود فكرية ولا تحريف المبادئ والقيم ولا تزييف للواقع وتواكل ودروشة وتخاذل.
جماعة تعترف بأخطائها لا تجادل، خالية من العنصرية والحزبية لأشخاص منزهين ملائكة لا يستحقون العيش وسط مجتمع فاجر كما يظنون.
حبل الله، القرآن الذي أصبح مفسراً بالأهواء والمشاعر والعواطف، سُنة رسول الله التي أصبح فهمها ودراستها إسقاطاً مرناً لأي شيء وفي أي مكان وزمان حتى يجادل به المبررون وتابعوهم.
إن كنت في جماعة لا تعتصم بحبل الله ولا تستطيع الإصلاح فيها، فلماذا تمكث؟ حتى لا يقال إنك شارد متمرد فاسق زنديق ربما تكون فاجراً كافراً.
يا صديقي.. سيحاسبك الله ماذا فعلت لدينه؟ فتمهل يرحمني ويرحمك الله.
الإسلام دين الفهم، والمسلمون أهل الفهم، وشباب الربيع العربي قدوة الأمم ومستقبلها، افهم أيها الطائع، وأطِع أيها الفاهم.
نظريات ومبادئ تُقرأ وتُحفظ في الكثير من مناهج وأدبيات الحركات الإسلامية التي ألفت خصيصاً لتكون سبيلاً للوصول لغاية تلك الحركات، عن طريق رؤيتها لواقع ملموس يطبق في سلوك أبناء الحركة بشكلٍ مخصص في جزءٍ من الدعوة، أو بصورة عامة شمولية ترى الإسلام من جميع الجوانب الدنيوية المادية والدينية الروحية.
ولكن ما الذي حدث؟
أرى المبادئ والأركان تبدّل في واقعٍ غير ملموس لها، بل واقع ينبعث منه شرارة الكراهية والحقد ورفض الآخر وازدواجية المعايير وقيد الفكر، فأُلغي الفهم، وتحولت الطاعة إلى طاقةٍ بشرية عمياء لا ترى إلا واجب التنفيذ بدون فهمٍ حقيقي، حلّ التقديس مكان الاحترام، وتربع عرش الثقة في لباس قادة بأعينهم لا يقبل الشك أن يأتي إليهم، ويأبى الخطأ أن يفعل لديهم، فهم منزّهون تجاهه، بعيدون كل البعد عن الانحرافات واتباع الهوى، فالهوى عندما يأتي، لا يأتي إلا لشبابٍ مثلنا لا يعرف الكثير، ليس لديه خبرة، كما قالوا لنا وعنا.
وماذا فعلت الخبرة الواسعة التي اكتسبها قادة الحركة الإسلامية سواء كانوا شيوخاً للدين أو سياسيين محنكين؟ لا شيء.
يقال عنهم في بعض الأحيان: هذا شيخي عالم الدين، تقبيل يده محبوب بالنسبة للدين، أو الأخ الكبير المحنك المبجل الذي يعرف كل شيء عن أي شيء.
الأول نراه يتخاذل عن نصرة الحق خوفاً من السلطان، يقف في الإعراب ضمير مستتر تقديره اللحية البيضاء الطويلة، والثاني يخطئ ويقدح في خطئه دون محاسبةٍ أو لوم، وغلمان هذا وذاك يفتحون نيران ألسنتهم بالسباب والتخوين والشرود لمن ينتقد الشيخ أو الأخ الأكبر.
وحتى لا يتم تخويني ويثبت شرودي عند أحدهم بتلك الكلمات التي أكتبها لشق الصف والبنيان المرصوص، وفي أي شيء يفيد الصف إن كان قوامه وبنيانه مرصوصاً بطوبٍ ولبنٍة هشة مبادئها غير صحيحة، فكرها لم يكتمل نضجه، انتماؤها للأشخاص لا للأفكار.
علينا أن نبني صفوفنا بعقيلة الإسلام لا بأهواء الجماعات، علينا تحطيم قدسية الأصنام عندهم.
يدرسون، يفكرون، ويخططون، بل ويأخذون بالأسباب، لكن كل ما يحدث لهم من ضعفٍ وهوانٍ لهم وللدين في الأرض.
يقولون لنا: هذه سنة الأنبياء والمرسلين عندما يقومون بحمل رسالة الله يسجنون ويقتلون ويهجرون، ألا عرفتم قصة سيدنا إبراهيم؟ ألم تسمعوا كيف فعل فرعون بقومه وموسى عندما وقف أمام البحر؟ هل قرأتم عن محمد وهو محاصر في الشِّعب؟
يتخذون من سُنة الابتلاء حجةً كاملة المعاني والمفاهيم، ستاراً يقفون وراءه من مواجهة ضعف حجتهم وفهمهم الصحيح للدين وتواكلهم المنافي للأسباب، فالدين دين نصر وعزة، والسنن تمكين وخلافة راشدة انتهت وتبدأ من جديد في زمن قادم علينا عندما نريد، كما قال رسولنا الحبيب، رسالة حب ونصح وبناء ليس كرهاً وهدماً.
الفهم ثم الطاعة
انتهى الوقت الآن، نحن في عامنا السابع من ربيعنا الذي سُرق بسبب غفلتنا التي سببت بعدم فهمنا المفرط وطاعتنا المفرطة في كثيرٍ من الأشياء.
من الصعب أن ينساق الشباب كالخراف وراء أفكارٍ مشوشٍة وخطط مترنحة واستراتيجيات خاوية المعنى والدليل، أصبحت الأكذوبة واضحة، انبعاث رائحة عفنة من نظريات القيم والمبادئ الماكثة على ورقها لا تتحرك في سلوك واقعي.
لا أوجه حروفي لأشخاص أو جماعات بعينها، فلا أنتمي لأحد غير قرآني وسُنة من أتى برسالة الله للعالمين، فلنترك القطيع ولا نقدس أحداً ونفهم واقع الدين والدنيا، بل ندرس التاريخ والسياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع، فلا تقدم للمستقبل بدون نظرة ثاقبة نحو التاريخ، ففيه عِبرة المتأخرين والمتقدمين، بناء الأمم وانحدارها، فيه كيفية الصواب وكيفية تجنّب الخطأ، يحكي لنا سنن الابتلاء حتى نصبر وسنن النصر والتمكين حتى نسعى إليها.
للفهم شروط يجب توافرها حتى تأتي طاعة واقعية شرعية واجبة يحبها القائد والجندي، الفهم أولاً، لماذا وكيف؟
لو تعلمنا السؤال لمكثت عقولنا وقلوبنا هادئة بلا شكوكٍ وأفكار ملحدة، بل جلست متربعة في عرش يقينها بنصرة الدين والدنيا.
وكلامي لا يدّعي للاستقلال والبعد عن الجماعات كما يظن البعض، فيد الله مع الجماعة، وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" ولكن هنا أسأل، واسمح لي أيها المطيع أن أسأل:
ما هي الجماعة؟ وما المقصود بحبل الله؟
أليست الجماعة التي تقيم الدين بشكل صحيح بلا مغالاة وتفريط ولا قيود فكرية ولا تحريف المبادئ والقيم ولا تزييف للواقع وتواكل ودروشة وتخاذل.
جماعة تعترف بأخطائها لا تجادل، خالية من العنصرية والحزبية لأشخاص منزهين ملائكة لا يستحقون العيش وسط مجتمع فاجر كما يظنون.
حبل الله، القرآن الذي أصبح مفسراً بالأهواء والمشاعر والعواطف، سُنة رسول الله التي أصبح فهمها ودراستها إسقاطاً مرناً لأي شيء وفي أي مكان وزمان حتى يجادل به المبررون وتابعوهم.
إن كنت في جماعة لا تعتصم بحبل الله ولا تستطيع الإصلاح فيها، فلماذا تمكث؟ حتى لا يقال إنك شارد متمرد فاسق زنديق ربما تكون فاجراً كافراً.
يا صديقي.. سيحاسبك الله ماذا فعلت لدينه؟ فتمهل يرحمني ويرحمك الله.
الإسلام دين الفهم، والمسلمون أهل الفهم، وشباب الربيع العربي قدوة الأمم ومستقبلها، افهم أيها الطائع، وأطِع أيها الفاهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-mohamed-elazhary/story_b_18118878.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات