لا يختلف اثنان، أعداءً كانوا أو أصدقاء- على أن ما فعلته داعش في المناطق التي احتلتها يعد من أبشع ما سجَّله العصر الحديث؛ حيث إنها تفننت بالقتل والتدمير والتهجير والاغتصاب، فضلاً عن تشويه الدين وتدمير البِنى التحتية وإعادة هذه المناطق عشرات السنين إلى الوراء.
ولو أن أحدنا سأل أبناء تلك المدن لوجدهم يبذلون ما بوسعهم في ذم وانتقاد ذلك التنظيم المجرم، ولبكوا وتباكوا على ما حلّ بهم على مدار السنوات الماضية، وهنا لا بد من طرح السؤال الأهم وهو إن كان بإمكان العوائل في هذه المناطق البكاء والعويل (ولهم الحق في ذلك) ولكن ماذا بعد؟
إن طرح هذا السؤال مهم جداً؛ لأنه يمثل لحظة استفاقة وانتقال من السلوك العاطفي إلى العقلاني، وعندها فقط يمكننا أن نجد في وسط هذا الظلام نجوماً جميلة، وبل ولربما نجد بدراً فاتناً ما كان ليكون بهذه الروعة لولا شدة الظلام من حوله.
إن تعقّب النجوم في وقت لا يرى فيه الناس سوى السواد هو صنعة لا يتقنها إلا النخب ذوو الحكمة والعقل النيّر، فهذا التعقب هو نفسه الذي نقل اليابان إلى ما هي عليه الآن بعد أن دُمّرت اثنتان من أكبر مدنها في الحرب العالمية الثانية.
وهو نفسه الذي حوَّل ألمانيا من دولة مهزومة غارقة في الديون إلى أن تكون واحداً من أعمدة الاتحاد الأوروبي اليوم.
وإذا ما عُدنا إلى واقعنا العراقي، فإن بإمكاننا أن نجد العديد من الجوانب المضيئة في أزمة داعش، لعل أبرزها هو أن هذه الأزمة سمحت بحسم الخيار في مسألة المضيّ في طريق العملية السياسية، وذلك بعد 15 سنة من التردد والتخبُّط بين المشاركة الخجولة والمعارضة السلمية والمسلحة.
كما أن هذه الأزمة كانت سبباً مباشراً في حسم مرجعية هذه المناطق إلى الحكومة العراقية، بعد أن كانت تتقاسمها الحكومة ظاهرياً، وداعش عملياً، مما سببَّ الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار.
إن توافر البيئة الآمنة سيساعد هذه المناطق على أن تنمو من جديد وبشكل طبيعي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؛ حيث أصبحت هذه المناطق أراضي خصبة للاستثمار والإعمار وتدوير الأموال، فالموصل على سبيل المثال تمثل اليوم فرصةً ذهبيةً لأصحاب رؤوس الأموال لو توافرت لهم التسهيلات الحكومية.
من المعروف عن الموصلي أنه يعشق الموصل ويشعر بالانتماء إليها، وهو ما أدمى قلوب الشباب الموصلي وهم يرون مدينتهم تتآكل وتضمر طوال السنوات الثلاث الماضية تحت الحكم الداعشي.
وما إن تحررت المدينة حتى انطلقوا ليعيدوا لها الحياة بما يستطيعون، من خلال العمل التطوعي الذي لولا هذه الأزمة لما انتشر بشكل كبير بين الموصليين.
لقد استطاعت هذه الأزمة أن تبلغ العالم بحب الموصلي لموصله، فضلاً عن تعزيز ذلك في نفسه، كما أنها أسهمت في إظهار وجوه قيادية شابة لم تكن لتظهر في فترة ما قبل داعش.
إن فلسفة الانتماء للمدينة ورفض فكرة مغادرتها الموروثة أباً عن جد أشعرت الشاب الموصلي بأن الموصل هي العالم بأسره، وبقيت هذه الفكرة راسخة في عقله إلى أن جاءت داعش لتخرجه من مدينته بالقوة وتوزع أشلاءه بين العواصم والمدن، كبغداد وأربيل وإسطنبول وبرلين.
هذه الهجرة القسرية أكسبت الشاب الموصلي خبرات ولغات عديدة، وذلك من خلال احتكاكه بشعوب وثقافات متنوعة.
لم تقتصر الجوانب الإيجابية لأزمة داعش على ما تقدم فقط، بل تعدت ذلك لتدفع المثقفين والنخب لإعادة النظر في الكثير من مسلّمات التراث الإسلامي.
وهنا لا أقصد نقاش الثوابت الدينية بل الكثير من طرق العيش وتنظيم الحياة العامة التي كانت مناسبة جداً في وقتها وزمانها ولم تعد كذلك اليوم، مثل شكل الدولة، وصفة الرئيس، ومفهوم البيعة، وغيرها الكثير، بل وحتى بعض فتاوى علمائنا الأجلاء وأقوال القادة المسلمين التي أثبت الواقع أنها غير صالحة لوقتنا هذا.
لقد حكم الفكر السلفي المتطرف ملايين المسلمين المنتشرين على رقعة جغرافية واسعة، وأتيحت له الفرصة كاملة ليقدم كل ما لديه، ومع ذلك فقد أثبت وبجدارة أنه غير قادر على الاستمرار، وأنه لا يصلح لزماننا ومكاننا هذا؛ لذا فعلى العقلاء أن يتبعوا مدرسة فكرية أخرى أو أن يساهموا في إيجادها.
وفي الختام.. لا بد من الإشارة إلى أن ما تمر به المنطقة العربية، والعراق تحديداً، هو أمر طبيعي بالنسبة لكل الشعوب الراغبة في التغيير، فالدول تدخل الحرب وهي تعلم أنها أثناء الحرب ستكون أسوأ حالاً مما كانت عليه قبلها، إلا أنها تدخل الحرب برغبتها على أمل أن تكون أفضل حالاً بعدها.
وكذلك نحن، نحن الآن في قلب الحرب وقطعاً سنكون أفضل حالاً بعدها بشرط أن نترك لعن الظلام ونبدأ بإيقاد الشمعة.
ولو أن أحدنا سأل أبناء تلك المدن لوجدهم يبذلون ما بوسعهم في ذم وانتقاد ذلك التنظيم المجرم، ولبكوا وتباكوا على ما حلّ بهم على مدار السنوات الماضية، وهنا لا بد من طرح السؤال الأهم وهو إن كان بإمكان العوائل في هذه المناطق البكاء والعويل (ولهم الحق في ذلك) ولكن ماذا بعد؟
إن طرح هذا السؤال مهم جداً؛ لأنه يمثل لحظة استفاقة وانتقال من السلوك العاطفي إلى العقلاني، وعندها فقط يمكننا أن نجد في وسط هذا الظلام نجوماً جميلة، وبل ولربما نجد بدراً فاتناً ما كان ليكون بهذه الروعة لولا شدة الظلام من حوله.
إن تعقّب النجوم في وقت لا يرى فيه الناس سوى السواد هو صنعة لا يتقنها إلا النخب ذوو الحكمة والعقل النيّر، فهذا التعقب هو نفسه الذي نقل اليابان إلى ما هي عليه الآن بعد أن دُمّرت اثنتان من أكبر مدنها في الحرب العالمية الثانية.
وهو نفسه الذي حوَّل ألمانيا من دولة مهزومة غارقة في الديون إلى أن تكون واحداً من أعمدة الاتحاد الأوروبي اليوم.
وإذا ما عُدنا إلى واقعنا العراقي، فإن بإمكاننا أن نجد العديد من الجوانب المضيئة في أزمة داعش، لعل أبرزها هو أن هذه الأزمة سمحت بحسم الخيار في مسألة المضيّ في طريق العملية السياسية، وذلك بعد 15 سنة من التردد والتخبُّط بين المشاركة الخجولة والمعارضة السلمية والمسلحة.
كما أن هذه الأزمة كانت سبباً مباشراً في حسم مرجعية هذه المناطق إلى الحكومة العراقية، بعد أن كانت تتقاسمها الحكومة ظاهرياً، وداعش عملياً، مما سببَّ الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار.
إن توافر البيئة الآمنة سيساعد هذه المناطق على أن تنمو من جديد وبشكل طبيعي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؛ حيث أصبحت هذه المناطق أراضي خصبة للاستثمار والإعمار وتدوير الأموال، فالموصل على سبيل المثال تمثل اليوم فرصةً ذهبيةً لأصحاب رؤوس الأموال لو توافرت لهم التسهيلات الحكومية.
من المعروف عن الموصلي أنه يعشق الموصل ويشعر بالانتماء إليها، وهو ما أدمى قلوب الشباب الموصلي وهم يرون مدينتهم تتآكل وتضمر طوال السنوات الثلاث الماضية تحت الحكم الداعشي.
وما إن تحررت المدينة حتى انطلقوا ليعيدوا لها الحياة بما يستطيعون، من خلال العمل التطوعي الذي لولا هذه الأزمة لما انتشر بشكل كبير بين الموصليين.
لقد استطاعت هذه الأزمة أن تبلغ العالم بحب الموصلي لموصله، فضلاً عن تعزيز ذلك في نفسه، كما أنها أسهمت في إظهار وجوه قيادية شابة لم تكن لتظهر في فترة ما قبل داعش.
إن فلسفة الانتماء للمدينة ورفض فكرة مغادرتها الموروثة أباً عن جد أشعرت الشاب الموصلي بأن الموصل هي العالم بأسره، وبقيت هذه الفكرة راسخة في عقله إلى أن جاءت داعش لتخرجه من مدينته بالقوة وتوزع أشلاءه بين العواصم والمدن، كبغداد وأربيل وإسطنبول وبرلين.
هذه الهجرة القسرية أكسبت الشاب الموصلي خبرات ولغات عديدة، وذلك من خلال احتكاكه بشعوب وثقافات متنوعة.
لم تقتصر الجوانب الإيجابية لأزمة داعش على ما تقدم فقط، بل تعدت ذلك لتدفع المثقفين والنخب لإعادة النظر في الكثير من مسلّمات التراث الإسلامي.
وهنا لا أقصد نقاش الثوابت الدينية بل الكثير من طرق العيش وتنظيم الحياة العامة التي كانت مناسبة جداً في وقتها وزمانها ولم تعد كذلك اليوم، مثل شكل الدولة، وصفة الرئيس، ومفهوم البيعة، وغيرها الكثير، بل وحتى بعض فتاوى علمائنا الأجلاء وأقوال القادة المسلمين التي أثبت الواقع أنها غير صالحة لوقتنا هذا.
لقد حكم الفكر السلفي المتطرف ملايين المسلمين المنتشرين على رقعة جغرافية واسعة، وأتيحت له الفرصة كاملة ليقدم كل ما لديه، ومع ذلك فقد أثبت وبجدارة أنه غير قادر على الاستمرار، وأنه لا يصلح لزماننا ومكاننا هذا؛ لذا فعلى العقلاء أن يتبعوا مدرسة فكرية أخرى أو أن يساهموا في إيجادها.
وفي الختام.. لا بد من الإشارة إلى أن ما تمر به المنطقة العربية، والعراق تحديداً، هو أمر طبيعي بالنسبة لكل الشعوب الراغبة في التغيير، فالدول تدخل الحرب وهي تعلم أنها أثناء الحرب ستكون أسوأ حالاً مما كانت عليه قبلها، إلا أنها تدخل الحرب برغبتها على أمل أن تكون أفضل حالاً بعدها.
وكذلك نحن، نحن الآن في قلب الحرب وقطعاً سنكون أفضل حالاً بعدها بشرط أن نترك لعن الظلام ونبدأ بإيقاد الشمعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/muhannad-al-sufi/-_14897_b_19152476.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات