ربما لا تكون مخطئةً استخباراتُ الأنظمة الاستبدادية عندما تلجأ في بعض الأحيان إلى نشر الشائعات بجوار وسائل إعلامها على اختلاف ما تمتلكه من المنصات، بما أن الشائعة كثيراً ما تكون أكثر فاعليةً من النبأ المُعلن، وربما كانت أكثر تغلغلاً في مسامات المجتمع.
ومن ثم، فهي أضمن تأثيراً في العامة من الأخبار الموثوقة، باعتبار أن الشائعة تحمل سحر النميمة التي لا تزال من الآليات المحببة لدى العامة في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ وبناءً على تلك الثغرة السيكولوجية، تحاول الأجهزة الأمنية نشر الشائعات؛ لتحقيق أكثر من غاية في آنٍ واحد، وتفهم أكثر من أمر من خلال إطلاق تلك الكبسولة السحرية، منه: لتُدرك مدى تقبُّل الشارع ما أشيع عنه، وكذلك للتعرف على ردود فعل المواطنين حيال النبأ المُشاع.
وقد يكون الهدف من إطلاق شائعةٍ ما، هو العمل فعلياً بما يناهض المُشاع، وذلك بكونهم من خلال الاستطلاع الجماهيري الشفاهي يتوصلون إلى نبض العامة، وأيضاً قد يكون الهدف الأساس هو التمهيد للإتيان عملياً بما هو مماثل تماماً للمشاع عنه، ما دام الشارع تقبّله ولم يُعلن امتعاضه وتذمُّره من الموضوع المطروح.
لذا، نرى أن ما قيل أو رُوّج على لسان رئيس جهاز الحماية والمعلومات في إقليم كردستان، لاهور الشيخ جنكي (لاهور طالباني)، عن أنه صرَّح لقناة "آفاق" العراقية، بأنهم "اتفقوا مع الحشد الشعبي الشيعي وحيدر العبادي على إخراج البيشمركة غير الخاضعة لهم؛ أي غير التابعة لـ(الاتحاد الوطني الكردستاني)، من كركوك؛ ومن ثم تسليم المدينة لهم".
فعملياً حتى ولو لم يكن ذلك النبأ صحيحاً، فإن ما كتبه الشيخ جنكي على صفحته الشخصية في الفيسبوك، بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2017، والمنشور أيضاً على موقع NRT، يشير صراحةً إلى أن ما قيل على لسانه ليس ببعيد عن الأزمة الشخصية التي يعانيها، وبلغةٍ ليست ببعيدة عن انتهازيته الفجة وكُنه فلسفته الوصولية.
حيث جاء في التصريح أن الشيخ جنكي طالباني وجّه في أثناء مشاركته بمؤتمر "حوار المنامة"* سؤالاً للجنرال الأميركي المتقاعد، ديفيد بترايوس، عن نفوذ وتدخُّل إيران في العراق وسوريا، قائلاً: "هناك تصريحات كثيرة حول تدخل وفرض إيران نفوذها في المنطقة، وهذا ما نراه على أرض الواقع، حيث دعمت دول الخليج وتركيا المتشددين، الذين أسسوا فيما بعد تنظيم داعش، وهو ما أصبح حجة لإيران من أجل التدخل وتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال الميليشيات الشيعية عبر الحكومتين العراقية والسورية".
بل وذهب الشيخ جنكي طالباني في الاستمالة والمزايدة إلى أبعد من ذلك، بقوله للجنرال بترايوس إن "الولايات المتحدة تتحدث باستمرار عن سياستها الاستراتيجية لتقليل النفوذ والتأثير الإيرانيَّين، ولكننا شاهدنا كيف أن الميليشيات الشيعية، وبمساعدة المستشارين العسكريين الإيرانيين، وبالأسلحة والدبابات الأميركية، هاجمت قوات البيشمركة، التي هي قوة متحالفة مع واشنطن في الحرب ضد داعش"، مؤكداً أن واشنطن تجاهلت هجوم الميليشيات الشيعية على البيشمركة بالأسلحة الأميركية، ومضيفاً بصيغة المتلهف والمتأمل شيئاً عملياً وحقيقياً من واشنطن وهو يقول: "إلى متى علينا انتظار تنفيذ أميركا سياستها بتقليل نفوذ وتأثير إيران في المنطقة؟".
لذا، فبعد قراءة بعض المقتطفات من التصريح المذكور أعلاه، ومن خلال الأفعال الميدانية والتنقلات التصريحاتية للشيخ جنكي طالباني بين القنوات والمواقع الإعلامية، وقفزه المستمر كهِرٍ رشيقٍ في عمليات الحطِ والإقلاع من جبهةٍ إلى أخرى عكسها تماماً، وبناءً على بهلواناته- يكاد يؤكد المعاين لحاله أن ما نُشر على لسانه عن أنه خُدع من قِبل مَن اتفق معهم بالأمس القريب لاحتلال كركوك يمثل حقيقة ما يكنّه الرجل، وأن الأمر ليس مجرد شائعة تُنقل عنه؛ وذلك لأن من يتبجح في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة بتعاونه مع الحكومة الاتحادية والحشد الشعبي الطائفي التابع عملياً لإيران، في فترة انتظاره للمكاسب المرجوة منهم.
ومن ثم، يتكلم للجنرال بترايوس عن التدخل الإيراني الذي حصل بمعيتهم في كركوك، فهو يشير إلى خيبة الأمل على ما لم ينله الرجل ممن اتفق معهم على احتلال كركوك على أمل الفوز بالمغانم الشخصية، والحصول لاحقاً على ما كان متفقاً عليه بين رهطه المبيع من جانب، وقاسم سليماني وحيدر العبادي من جانبٍ آخر.
على كل حال، فإن ما قام به رهط بافل طالباني بوجهٍ عام، والخيبة التي مُني بها لاهور الشيخ جنكي بشكل خاص، باعتباره أحد أهم أقطاب اتفاق الخنوع مع قاسم سليماني، في العملية التي سيأكل مع الأيام أصابعه ندماً على ما اقترفه من خلالها بحق إخوته، وذلك في تواطئه مع مَن يعادون تطلعات بني قومه جملةً وتفصيلاً.
فحقيقة، إن تلك الواقعة الأليمة للفاعلين أنفسهم -أي واقعة مساعدة الحشد الطائفي لاحتلال كركوك- والحدث المخزي بنظر عامة الكردستانيين يُحيلاننا إلى قصة تراثية مماثلة تماماً لحال الشيخ جنكي وعموم رهط بافل طالباني، وبطل تلك القصة هو هِرٌ من الهررة، ولكنه من الناحية السلوكية لا يختلف كثيراً عن لاهور في ممارساته وما اقترفه بحق بني قومه.
إذ يُحكى أنه في أحد البلاد هَرِم كبيرُ الهررة فيهم، ولكثرة كلامه دون علم، وأكله دون عمل، نبذه قومه، وحينها وبدلاً من أن يوبّخ الهر نفسه على ما يصنع، وعلى ما هو عليه من سوء السجية، باعتباره غدا عالة على قومه، ففكّر الهِرُّ الحقود في الانتقام بدلاً من إصلاح حاله، حيث لجأ الهِرُّ المطرود إلى كلبٍ يتربص ببني قومه ويناصبهم العداء.
وبناءً على طلبِ الهر، حشد الكلبُ أقرانه، وجعل الهِرّ الكبير دليلهم ومرشدهم إلى مخبأ القِطط، فأغاروا عليها وشردوها، عند ذاك اهتز ذيل الهِرّ العجوز منتشياً بانتصار الكلاب على بني قومه، ووقف يشكرهم على إعادته لوكره، إلا أن كبير الكلابِ سخر منه وقال له: أيها المغفّل، إن وكراً طردتك منه القطط أتبقيك فيه الكلاب؟!
وتابعت الكلاب في توبيخها له وهي تقول لمن اتفق معهم وخان بني جلدته: "لو علم قومك فيك خيراً لما نبذوك، ولو كنتَ وفياً لما كشفت لنا عن قومك، ولو كنت قوياً لما لجأت إلينا مستنجداً بنا لتنال من خلالنا من بني قومك! لذا، لا حاجة لنا بك أيها الهِرُّ الخوَّانُ.
كما قد يتفق الكثير من سكان الإقليم على أن كركوك لا تحتاج في استعادتها إلى مَن هم في مقام الشيخ جنكي إلا إذا قَبِلَ بأن يكون مِن الشهداء في سبيل تحريرها، ولكن حدوث ذلك الأمر من شبه المستحيلات، حيث معلومٌ لدى القاصي والداني أن المهووس بالحصول على الامتيازات والمنافع الشخصية يُضحي بكل شيء في سبيل المال والسلطان، وليس لديه أي استعداد للتضحية بنفسه من أجل أيّة قضية مهما علت درجة قداستها، ولا يضحي بنفسه قطُّ من أجل خلاص شعبه؛ لأن أنانيته وانتهازيته وحبه الجم للمال تحضّه على جعل الشعبِ قرابينَ لأمثاله الجشعين.
ومن ثم، فهي أضمن تأثيراً في العامة من الأخبار الموثوقة، باعتبار أن الشائعة تحمل سحر النميمة التي لا تزال من الآليات المحببة لدى العامة في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ وبناءً على تلك الثغرة السيكولوجية، تحاول الأجهزة الأمنية نشر الشائعات؛ لتحقيق أكثر من غاية في آنٍ واحد، وتفهم أكثر من أمر من خلال إطلاق تلك الكبسولة السحرية، منه: لتُدرك مدى تقبُّل الشارع ما أشيع عنه، وكذلك للتعرف على ردود فعل المواطنين حيال النبأ المُشاع.
وقد يكون الهدف من إطلاق شائعةٍ ما، هو العمل فعلياً بما يناهض المُشاع، وذلك بكونهم من خلال الاستطلاع الجماهيري الشفاهي يتوصلون إلى نبض العامة، وأيضاً قد يكون الهدف الأساس هو التمهيد للإتيان عملياً بما هو مماثل تماماً للمشاع عنه، ما دام الشارع تقبّله ولم يُعلن امتعاضه وتذمُّره من الموضوع المطروح.
لذا، نرى أن ما قيل أو رُوّج على لسان رئيس جهاز الحماية والمعلومات في إقليم كردستان، لاهور الشيخ جنكي (لاهور طالباني)، عن أنه صرَّح لقناة "آفاق" العراقية، بأنهم "اتفقوا مع الحشد الشعبي الشيعي وحيدر العبادي على إخراج البيشمركة غير الخاضعة لهم؛ أي غير التابعة لـ(الاتحاد الوطني الكردستاني)، من كركوك؛ ومن ثم تسليم المدينة لهم".
فعملياً حتى ولو لم يكن ذلك النبأ صحيحاً، فإن ما كتبه الشيخ جنكي على صفحته الشخصية في الفيسبوك، بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2017، والمنشور أيضاً على موقع NRT، يشير صراحةً إلى أن ما قيل على لسانه ليس ببعيد عن الأزمة الشخصية التي يعانيها، وبلغةٍ ليست ببعيدة عن انتهازيته الفجة وكُنه فلسفته الوصولية.
حيث جاء في التصريح أن الشيخ جنكي طالباني وجّه في أثناء مشاركته بمؤتمر "حوار المنامة"* سؤالاً للجنرال الأميركي المتقاعد، ديفيد بترايوس، عن نفوذ وتدخُّل إيران في العراق وسوريا، قائلاً: "هناك تصريحات كثيرة حول تدخل وفرض إيران نفوذها في المنطقة، وهذا ما نراه على أرض الواقع، حيث دعمت دول الخليج وتركيا المتشددين، الذين أسسوا فيما بعد تنظيم داعش، وهو ما أصبح حجة لإيران من أجل التدخل وتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال الميليشيات الشيعية عبر الحكومتين العراقية والسورية".
بل وذهب الشيخ جنكي طالباني في الاستمالة والمزايدة إلى أبعد من ذلك، بقوله للجنرال بترايوس إن "الولايات المتحدة تتحدث باستمرار عن سياستها الاستراتيجية لتقليل النفوذ والتأثير الإيرانيَّين، ولكننا شاهدنا كيف أن الميليشيات الشيعية، وبمساعدة المستشارين العسكريين الإيرانيين، وبالأسلحة والدبابات الأميركية، هاجمت قوات البيشمركة، التي هي قوة متحالفة مع واشنطن في الحرب ضد داعش"، مؤكداً أن واشنطن تجاهلت هجوم الميليشيات الشيعية على البيشمركة بالأسلحة الأميركية، ومضيفاً بصيغة المتلهف والمتأمل شيئاً عملياً وحقيقياً من واشنطن وهو يقول: "إلى متى علينا انتظار تنفيذ أميركا سياستها بتقليل نفوذ وتأثير إيران في المنطقة؟".
لذا، فبعد قراءة بعض المقتطفات من التصريح المذكور أعلاه، ومن خلال الأفعال الميدانية والتنقلات التصريحاتية للشيخ جنكي طالباني بين القنوات والمواقع الإعلامية، وقفزه المستمر كهِرٍ رشيقٍ في عمليات الحطِ والإقلاع من جبهةٍ إلى أخرى عكسها تماماً، وبناءً على بهلواناته- يكاد يؤكد المعاين لحاله أن ما نُشر على لسانه عن أنه خُدع من قِبل مَن اتفق معهم بالأمس القريب لاحتلال كركوك يمثل حقيقة ما يكنّه الرجل، وأن الأمر ليس مجرد شائعة تُنقل عنه؛ وذلك لأن من يتبجح في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة بتعاونه مع الحكومة الاتحادية والحشد الشعبي الطائفي التابع عملياً لإيران، في فترة انتظاره للمكاسب المرجوة منهم.
ومن ثم، يتكلم للجنرال بترايوس عن التدخل الإيراني الذي حصل بمعيتهم في كركوك، فهو يشير إلى خيبة الأمل على ما لم ينله الرجل ممن اتفق معهم على احتلال كركوك على أمل الفوز بالمغانم الشخصية، والحصول لاحقاً على ما كان متفقاً عليه بين رهطه المبيع من جانب، وقاسم سليماني وحيدر العبادي من جانبٍ آخر.
على كل حال، فإن ما قام به رهط بافل طالباني بوجهٍ عام، والخيبة التي مُني بها لاهور الشيخ جنكي بشكل خاص، باعتباره أحد أهم أقطاب اتفاق الخنوع مع قاسم سليماني، في العملية التي سيأكل مع الأيام أصابعه ندماً على ما اقترفه من خلالها بحق إخوته، وذلك في تواطئه مع مَن يعادون تطلعات بني قومه جملةً وتفصيلاً.
فحقيقة، إن تلك الواقعة الأليمة للفاعلين أنفسهم -أي واقعة مساعدة الحشد الطائفي لاحتلال كركوك- والحدث المخزي بنظر عامة الكردستانيين يُحيلاننا إلى قصة تراثية مماثلة تماماً لحال الشيخ جنكي وعموم رهط بافل طالباني، وبطل تلك القصة هو هِرٌ من الهررة، ولكنه من الناحية السلوكية لا يختلف كثيراً عن لاهور في ممارساته وما اقترفه بحق بني قومه.
إذ يُحكى أنه في أحد البلاد هَرِم كبيرُ الهررة فيهم، ولكثرة كلامه دون علم، وأكله دون عمل، نبذه قومه، وحينها وبدلاً من أن يوبّخ الهر نفسه على ما يصنع، وعلى ما هو عليه من سوء السجية، باعتباره غدا عالة على قومه، ففكّر الهِرُّ الحقود في الانتقام بدلاً من إصلاح حاله، حيث لجأ الهِرُّ المطرود إلى كلبٍ يتربص ببني قومه ويناصبهم العداء.
وبناءً على طلبِ الهر، حشد الكلبُ أقرانه، وجعل الهِرّ الكبير دليلهم ومرشدهم إلى مخبأ القِطط، فأغاروا عليها وشردوها، عند ذاك اهتز ذيل الهِرّ العجوز منتشياً بانتصار الكلاب على بني قومه، ووقف يشكرهم على إعادته لوكره، إلا أن كبير الكلابِ سخر منه وقال له: أيها المغفّل، إن وكراً طردتك منه القطط أتبقيك فيه الكلاب؟!
وتابعت الكلاب في توبيخها له وهي تقول لمن اتفق معهم وخان بني جلدته: "لو علم قومك فيك خيراً لما نبذوك، ولو كنتَ وفياً لما كشفت لنا عن قومك، ولو كنت قوياً لما لجأت إلينا مستنجداً بنا لتنال من خلالنا من بني قومك! لذا، لا حاجة لنا بك أيها الهِرُّ الخوَّانُ.
كما قد يتفق الكثير من سكان الإقليم على أن كركوك لا تحتاج في استعادتها إلى مَن هم في مقام الشيخ جنكي إلا إذا قَبِلَ بأن يكون مِن الشهداء في سبيل تحريرها، ولكن حدوث ذلك الأمر من شبه المستحيلات، حيث معلومٌ لدى القاصي والداني أن المهووس بالحصول على الامتيازات والمنافع الشخصية يُضحي بكل شيء في سبيل المال والسلطان، وليس لديه أي استعداد للتضحية بنفسه من أجل أيّة قضية مهما علت درجة قداستها، ولا يضحي بنفسه قطُّ من أجل خلاص شعبه؛ لأن أنانيته وانتهازيته وحبه الجم للمال تحضّه على جعل الشعبِ قرابينَ لأمثاله الجشعين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/majed-aref-mohamad/-_14518_b_18910694.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات