بائس أنت كبُؤس من حاول الانتحار متعلقاً بكابل عمود الإنارة؛ ليكتشف انقطاع الكهرباء وضياع حلم أخذ منه الكثير من التفكير والإقدام لتحقيقه، نعم هذا أنت كمواطن مصري عندما تفكر أن تدلو بدلوك حول قانون المواريث الجديد بكوكب تونس الشقيق، فأين أنت كمواطن مصري "قد الدنيا" من أم الدنيا، بما يحدث من ثورات فكرية وتحضرية من حولك؟ مجتمعياً ما يحدث شيء متوقع فكلما زاد القهر زادت معه سلسلة متتابعة من قهر المجتمع لبعضه، فالحلقة الأقوى تمارس أدوات قمعية ضد الحلقة الأضعف، وهكذا نتاج متوقع لغياب العدالة الاجتماعية والمساواة يخلق جواً من السادية المقنعة، سواء بالدين أو التقاليد المتبعة أو حتى بفرض الأمر الواقع بالقوة حتى يصبح شيئاً عادياً ومتبعاً ومنهجية مجتمعية طبيعية !
اللي مش عادي انفجار منصات التواصل الاجتماعي والإعلامي بآراء فقهية تحرم، والبعض يحلل على حسب الهوى والمكايدة السياسية بين أطراف سياسية متصارعة، وكأن المرأة وليمة يغتنمها من يريد اللعب بالورقة الرابحة، بعيداً كل البعد عن اقتناعه بأحقيتها بالمساواة من عدمها.
أما صدمتي الكبرى كانت فيمن يطلقون على أنفسهم ليبراليين وأصحاب بطولات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة في حلبات المصارعة الإعلامية خلال تاريخ نضالهم الكبير الحافل بالبطولات والجعورات المفوهة داخل أروقة البرلمان كمعارضة أيام زمن المعارضة الجميل "على حسب تعبيرهم"، فأحد أصحاب النضال العميق الليبرالي العتيد فاجأنا بلقاء إعلامي يقول فيما معناة إنه ليبرالي، أي نعم بس وسطي، وضد العلمانية "يقصد تونس ونظامها العلماني"، متناسياً أن من أسس الليبرالية المساواة في الحقوق والحريات "حرية العقيدة والجنس".
أيضاً بعض الأصدقاء أصحاب النضال الثوري وشعارات العيش والحرية، أصابتهم عدوى خلفائهم الراشدين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين أصحاب ازدواجية المعايير من نوعية: "أنا مع حقوق المرأة بس المواضيع الشرعية جدلية وما ينفعش نتكلم فيها وإحنا في مجتمع شرقي لازم نحترم عاداته وتقاليده"، متناسياً المبدأ الأخلاقي: "ما لا يدرك كله فلا يترك جله".
الحركات الإسلامية وجماعات الإسلام السياسي كالعادة تحتار لهم أمراً، فبعض علمائهم ومشايخهم الأجلاء أصحاب الخطابات الحنجورية الإعلامية من نوعية "كبسولات الفتوى" يرون في الأمر كفراً مطبقاً وضلالاً، علماً بأنهم تارة يثنون على النظام الإسلامي الحاكم بدولة تركيا "برغم أن تركيا نظام علماني يمنع فيه تعدد الزوجات ويقسم فيه الميراث بالتساوي"، وأوقاتاً تراهم ينتقدون مرونة حزب العدالة والتنمية في المواضيع الفقهية، مما أدى إلى سخط بعض مستشاري النظام التركي من المعارضة المصرية المتواجدة، ومطالبتهم بالصمت "فليقولوا خيراً أو ليصمتوا"، لم يسلم منهم من هم منهم، فما بالك بمن ليسوا منهم، تراهم ينتقدون نظام الإخوان بتونس، وكيف كان متخاذلاً ومتساهلاً وليس كالقابض على الجمر مثلهم، يتعجب إسلاميو تونس وتركيا من إخوانهم المصريين وهم الدليل الدامغ على فشل الاستراتيجيات القديمة والمتحجرة فكرياً المعتمدة على الانعزالية المجتمعية والتخوين والتكفير لمن يختلف معهم فكرياً وأيديولوجياً، ناهيك عن لطم الخدود وتصفير المعارك السياسية، فهم مغرمون بنظرية "وفيها إيه أما نلبس في نفس الحيطة كل مرة".
عزيزي القارئ.. أنت متشوق لتوجيه السؤال العتيد "طب ممكن نعرف رأي سياتك بما إنك تنتقدي القاصي والداني؟".
بكل بساطة أحب أقول لك وأفاجئك بأني ضد تأطير قضية مساواة المرأة والجندرية في مشكلة الميراث فقط، وإن كنت من أصحاب المطالبة بالدولة المدنية، عندك مثلاً نظام المخلوع مبارك حب يجمل صورته في وقت من الأوقات باتفاقية السيداو، والدول الغربية مولت وزارة التعاون الدولي وقتها بملايين اليوروات على مبادرات التوعية ضد ختان البنات، ولم يحدث شيء بقى الصعيد على فقرة وتخلفه، أيضا في 2010 تفتق ذهن النظام عن الكوتة فجاب كام حيزبونة من حيزبونات الشلة وحطّهم في البرلمان، لم نتقد خطوة من أيام فيلم "أريد حلاً" في قضية مساواة المرأة، المشكلة الأكبر اللي بتعاني منها المرأة المصرية هي كيفية الحصول على حقها الشرعي في الميراث وتمكينها منه، يا عيني المرأة المصرية أحلامها متواضعة، فما بين أعراف تمنع التوريث من أصله أو إخوة رجال يرون أنها مستباحة للتغول على حقها لمجرد أنها امرأة " حتعوزي فلوس تعملي بيها إيه!".
حقائق عن المرأة المصرية :
- مصر مصنفة في المركز 125 على حسب تقرير اليونيسيف لمؤشر الفجوة بين الجنسين 2010 والمركز 136 من أصل 145 دولة لنفس التقرير لعام 2015 .
- تشغل المرأة المصرية سوق العمل بنسبة 26% فقط مقارنة بالرجال 79% برغم أن نسبة الأمية أقل بين النساء 65% عن الرجال 82%.
- كما بلغت نسبة البطالة 24% للنساء تقابلها 8.4% للرجال حسب تقرير البنك الدولي 2016.
- فقط رجل من كل أربعة ذكور ينتمون إلى منطقة الشرق الأوسط يؤمنون بالمساواة بين الجنسين حسب دراسة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
- وصلت نسبة المرأة المعيلة بمصر إلى 35% حسب "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء".
وأخيراً: 86% من الرجال بمصر يعتقدون أن دور المرأة الرئيسي في الحياة يكمن في أن تكون ربة منزل مثالية، حسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/rana-faruk/-_13112_b_17836740.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات